اللوازم العقليّة أو العادية » (١).
ولكن يرد عليه أيضاً : أنّ كلامه مبنى على انحصار وجوه الفرق بين مثبتات الأمارات والاصول فيما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله ، وهو ممنوع لما مرّ من الوجوه المختلفة ، وسيأتي عند بيان المختار مزيد توضيح للمقام.
أمّا القول الثالث : ( وهو المختار ) فهو التفصيل بين اللوازم الذاتية للأمارة فتكون حجّية ، وبين اللوازم الإتّفاقية فلا تكون حجّة ، ولإثباته لابدّ من ذكر مقدّمة في بيان الفرق بين الأمارة والأصل فنقول.
المشهور بينهم أنّ الفرق بين الأمارة والأصل أنّ الجهل بالواقع والشكّ فيه مأخوذ في موضوع الأصل دون الأمارة فإنّ الشكّ إنّما هو موردها لا موضوعها.
ولكنّه ممّا لا وجه ولا أصل له ، والصحيح أنّ الجهل بالواقع والشكّ فيه أخذ في كليهما ، والوجه في ذلك ما جاء في بعض الكلمات من « أنّ الاهمال بحسب مقام الثبوت غير معقول فلا محالة تكون حجّية الأمارات إمّا مطلقة بالنسبة إلى العالم والجاهل ، أو مقيّدة بالعالم والجاهل ، أو مختصّة بالجاهل ، ولا مجال للالتزام بالأوّل والثاني فإنّه لا يعقل كون العمل بالأمارة واجباً على العالم بالواقع فبقى الوجه الأخير ، وهو كون الأمارة مختصّة بالجاهل وهو المطلوب ( هذا بالنسبة إلى مقام الثبوت ).
مضافاً إلى أنّه في مقام الإثبات أيضاً مقيّد به في لسان بعض الأدلّة كقوله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَاتَعْلَمُونَ ) » (٢) ( وقد استدلّ القوم بالآية في مباحث حجّية خبر الواحد تارةً في مباحث الاجتهاد والتقليد اخرى ).
والصحيح في الفرق بينهما أنّ للأمارة كاشفية عن الواقع وإن كان كشفاً ظنّياً غير تامّ ، بخلاف الأصل فليس فيه كشف عن الواقع أصلاً ، ولا فرق في ذلك بين أن نأخذ الأمارة والاصول من الشارع المقدّس أو من بناء العقلاء ، فإنّ لهم أيضاً أمارات واصول ، بل الأمارات الموجودة في الشرع متّخذة منهم غالباً كما عرفت آنفاً ، وكذا الاصول الأربعة فإنّ جميعها موجودة بين العقلاء من أهل العرف. ومنها الاستصحاب فإنّهم يجرون الاستصحاب في
__________________
(١) مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ١٥٥ ، طبع مطبعة النجف.
(٢) المصدر السابق : ص ١٥٢.