ويمكن أن يناقش فيه :
أوّلاً : بأنّ كلامه وإن كان صادقاً في مثل خبر الواحد ، لأنّ له الحكاية ، والحكاية عن الشيء حكاية عن لوازمه ( وكذا الإقرار والبيّنة ) ولكنّه لا يصدق في مثل أصالة اليد ، حيث إنّها لا تحكي ولا تخبر عن شيء ، وليس لها لسان حتّى تنحلّ إلى حكايات عديدة.
وثانياً : أنّه يقبل في نفس خبر الواحد أيضاً في الجملة لا بالجملة ، لأنّ انحلاله إلى إخبارات عديدة مبنى على التفات المخبر باللوازم والملازمات ، وأمّا اللوازم التي ليس المخبر عالماً بها ولا متوجّهاً إليها فلا يصحّ أن يكون الإخبار عن الملزوم إخباراً عن تلك اللوازم.
البيان الثاني : أنّ حجّية الأمارة هى من باب أنّها توجب حصول الظنّ نوعاً ، والظنّ بشيء ظنّ بلوازمه.
وفيه : أنّه المبني مخدوش ، لأنّ مناط الحجّية ليس هو حصول الظنّ النوعي ، وإلاّ يلزم حجّية الظنّ مطلقاً ، وهو ـ على الظاهر ـ ممّا لا يلتزم به المستدلّ نفسه.
البيان الثالث : ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله من « أنّ الأمارة إنّما تكون محرزة للمؤدّي وكاشفة عنه كشفاً ناقصاً ، والشارع بأدلّة اعتبارها قد أكمل جهة نقصها ، فصارت الأمارة ببركة اعتبارها كاشفة ومحرزة كالعلم ، وبعد إنكشاف المؤدّى يترتّب عليه جميع ما للمؤدّى من الخواصّ والآثار على قواعد سلسلة العلل والمعلولات واللوازم والملزومات » (١).
أقول : إنّ كلامه هذا أيضاً من آثار مبناه المعروف من أنّ معنى الحجّية جعل صفة المحرزية والكاشفيّة واليقين ، فكأنّ الشارع يقول : أنّ لمفهوم الحجّة قسمين من المصداق : قسم تكويني ، وقسم اعتباري يحتاج إلى جعل واعتبار ممّن بيده الاعتبار ، فبعد جعل الحجّية يصير مصداقاً واقعياً للعلم فيترتّب عليها لوازمها وملازماتها كالعلم التكويني.
ولكن قد مرّ كراراً أنّ صفة اليقين أمر تكويني لا يمكن جعلها في عالم الاعتبار ، وينبغي أن نشير هنا إلى ما أفاد المحقّق العراقي رحمهالله في تعليقته على فوائد الاصول ، فإنّه قال : « الطريقيّة بمعنى تتميم الكشف وتماميّة الانكشاف المساق لإلغاء الاحتمال بحقيقته يستحيل أن تناله يد الجعل تشريعاً » (٢).
__________________
(١) فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٤٨٧ ، طبع جماعة المدرّسين.
(٢) المصدر السابق : ص ٤٨٤ ، طبع جماعة المدرّسين.