وإن شئت قلت : قاعدة الاشتراك تجري بالنسبة إلى موارد الوحدة في الموضوع لا ما إذا اختلف الموضوع ، فإذا كانت أركان الاستصحاب الذي هو حكم ظاهري تامّة في حقّ أحد دون آخر يجري الاستصحاب في حقّه فقط دون غيره.
أقول : التحقيق في المسألة يستدعي تحليل ماهية نسخ الشريعة ، فنقول : لا إشكال في أنّ نسخ الشريعة ليس بمعنى نسخ الاصول الإعتقادية فيها ، كما لا إشكال في أنّه ليس عبارة عن تغيير جميع الأحكام بل يدور النسخ مدار معنيين :
أحدهما : رفع بعض الأحكام الفرعية وجزئيات الفروع ككيفية الزكاة والصّلاة ، وثانيهما : إتمام أمد رسالة النبي السابق وانقضاء عمرها ، ولازمه تشريع جميع الأحكام من جديد ، وحينئذٍ ليس هو من قبيل تغيير الدولة في حكومة خاصّة وتبديلها إلى دولة اخرى ، بل هو في الواقع من قبيل تبديل أصل الحكومة إلى حكومة جديدة ونظام آخر بحيث لابدّ فيه من تقنين قانون أساسي جديد ، وبالجملة أنّه بمعنى تدوين جميع القوانين العمليّة والأحكام الفرعية من أصلها ، وإن إشتركت الشريعتان في كثير من أحكامهما.
الصحيح في ما نحن فيه هو المعنى الثاني ، فإنّ هذا هو حقيقة نسخ الشرائع والديانات وظهور شريعة اخرى جديدة ، ويشهد على هذا المعنى أوّلاً : تكرار تشريع بعض الأحكام في الإسلام مع وجوده في الشريعة السابقة كحرمة شرب الخمر وحرمة الزنا ووجوب الصيام والصّلاة وكثير من المحرّمات والواجبات ، كما يدلّ عليه بالصراحة التعبير بالكتابة في مثل قوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ).
وثانياً : جريان أصالة الإباحة بالنسبة إلى الشبهات الوجوبيّة عند الأخباري والاصولي معاً ، وفي الشبهات التحريميّة عند الاصولي فقط ، فإنّه أيضاً شاهد على نسخ جميع الأحكام السابقة ورجوع الأشياء إلى الإباحة ، وعلى عدم وجود حكم إلزامي إلاّبعد ثبوت تدوينه وكتابته ثانياً.
والذي يستنتج من هذا المعنى للنسخ هو عدم جواز استصحاب الشرائع السابقة فإنّه فرع احتمال بقاء بعض أحكام الشريعة السابقة ، مع أنّك قد عرفت إنّا نعلم بنسخ جميع أحكامها وتشريع أحكام جديدة ، وافقها أو خالفها.
كما يظهر منه عدم تمامية ما اجيب به عن الإشكال الأوّل الذي أورد على استصحاب