إلى نفسه وإن علم بثبوتها في حقّ آخرين ، فإنّ الحكم الثابت في حقّ جماعة لا يمكن إثباته في حقّ جماعة اخرى لتغاير الموضوع ، ولذا يتمسّك في تسرية الأحكام الثابتة للحاضرين أو الموجودين إلى الغائبين أو المعدومين بالإجماع والأخبار الدالّة على إشتراك جميع الامّة في الحكم ، لا بالإستصحاب.
واجيب عنها : بأنّ الحكم الثابت في الشريعة السابقة لم يكن ثابتاً لخصوص الافراد الموجودين في الخارج بنحو القضية الخارجية ، بل الحكم كان ثابتاً لعامّة المكلّفين بنحو القضية الحقيقيّة ، فإذا شكّ في بقائه لهم لإحتمال نسخه في هذه الشريعة استصحب.
الثانية : من ناحية الشكّ اللاحق ، فإنّا نتيقّن بإرتفاعها بنسخ الشريعة السابقة بهذه الشريعة فلا شكّ في بقائها حينئذٍ حتّى يكون من قبيل نقض اليقين بالشكّ فيستصحب ، بل إنّه من قبيل نقض اليقين باليقين.
واجيب عنها أيضاً : أوّلاً : بأنّ نسخ الشريعة السابقة ليس بمعنى نسخ جميع أحكامها فإنّ كثيراً من أحكام الشرائع السابقة باقية في هذه الشريعة أيضاً كحرمة الزنا والغيبة وغيرهما.
وإن شئت قلت : إن اريد من النسخ نسخ كلّ حكم إلهي من أحكام الشريعة السابقة فهو ممنوع ، وإن اريد نسخ البعض فالمتيقّن من المنسوخ ما علم بالدليل ، فيبقى غيره على ما كان عليه ولو بحكم الاستصحاب.
إن قلت : إذا علمنا بنسخ بعضها إجمالاً صار جميعها من أطراف العلم الإجمالي فلا يمكن الاستصحاب فيها.
قلنا : إنّ العلم الإجمالي هذا ينحلّ إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي ، فإنّ مقدار المعلوم بالتفصيل ينطبق على مقدار المعلوم بالإجمال.
وثانياً : إنّا نفرض الشخص الواحد مُدركاً للشريعتين ، فإذا إستصحب هو بالنسبة إلى نفسه تمّ الأمر في حقّ غيره من المعدومين بقيام الضرورة على إشتراك أهل الزمان الواحد في الشريعة الواحدة ، وقد اجيب عن هذا الجواب بأنّ ذلك غير مجد في تسرية الحكم من المدرك للشريعتين إلى غيره من المعدومين ، فإنّ قضيّة الإشتراك ليس إلاّ أنّ الاستصحاب حكم كلّ من كان على يقين فشكّ ، لا حكم الكلّ ولو من لم يكن كذلك.