وإذن يختصّ الحديث بالشبهات الموضوعيّة لأنّ شموله للشبهات الحكميّة يحتاج إلى تقدير الحكم ، أي رفع ما لا يعلمون حكمه ، والأصل عدم التقدير.
فظهر أنّ طريق إثبات اختصاص الرواية بالشبهات الموضوعيّة لا ينحصر في ما ذهب إليه الشيخ الأعظم رحمهالله من قضية وحدة السياق ، بل يمكن إثباتها من طريق تحليل معنى الرفع وملاحظة موارد استعمال ما يقابله من كلمة الوضع.
ثمّ إنّ هذا ( أي اختصاص حديث الرفع بالشبهة الموضوعيّة ) قد يؤيّد بالرجوع إلى عصر صدور هذا الحديث من النبي صلىاللهعليهوآله حيث لم تكن الشبهة الحكميّة محلاً للابتلاء في ذلك العصر إلاّقليلاً لأنّهم كانوا مستغنين بأرباب الشريعة ، يأخذون منهم الأحكام مشافهة ، ويعرفون ما يريدون بالسؤال عن نفس المعصوم بلا واسطة ، فالحديث منصرف إلى ما كان محلاً للابتلاء.
الأمر الثاني : قد ظهر ممّا ذكرنا عدم تقدير شيء في الحديث لا الحكم ولا المؤاخذة ، ولا الأثر المناسب ولا جميع الآثار ، بل المرفوع هو نفس الفعل في عالم الاعتبار ، وهو كناية عن عدم حرمته ، وإذا ارتفعت الحرمة ارتفعت جميع آثارها ، وحينئذٍ لا تصل النوبة إلى ما ذكره الأعلام واختلفت فيه الآراء من أنّ المقدّر في الحديث ماذا؟
كما ظهر أيضاً أنّ الرفع إخبار عن الواقع ( كما أنّ الوضع في مثل قوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ ) إخبار عن الوضع في الواقع ) لا إنشاء من جانب الرسول صلىاللهعليهوآله فلا تصل النوبة إلى البحث عن إمكان التشريع للرسول صلىاللهعليهوآله وعدمه ، ولو فرض كونه إنشاء من جانبه صلىاللهعليهوآله فلا إشكال فيه أيضاً لما أثبتناه في البحث عن ولاية الفقيه في الفقه من صدور تشريعات جزئية من ناحية الرسول صلىاللهعليهوآله وإمضائه من جانب الباري تعالى ، فما ذهب إليه في تهذيب الاصول من عدم وجود هذا الحقّ للرسول صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام مطلقاً في غير محلّه.
الأمر الثالث : في شمول حديث الرفع للأحكام الوضعيّة وعدمه ، فإذا تحقّق بيع عن إكراه مثلاً فهل يكون نافذاً شرعاً أو لا؟ فقد يقال بعدم نفوذه لأجل هذا الحديث بل هو ممّا استدلّ به على اعتبار الاختيار في باب المعاملات ، وكيف كان فقد ذكر للعموم والشمول وجوه :
الأوّل : اطلاق الرفع ، إمّا بناءً على وجود تقدير في الحديث ، فلأنّ المقدّر هو جميع الآثار ، وإمّا بناءً على ما إخترناه من كون الرفع كناية فلأنّه كناية عن رفع الحكم الجزئي ، وهو في مثل