المشكوك ، أو المرفوع هو الموضوع الخارجي ، أي نفس الخمر في المثال ، أو الحكم ، أي الحرمة؟
ولابدّ للجواب عن هذا السؤال من ملاحظة التعبيرات الواردة في الآيات والروايات بالنسبة إلى صيغة الوضع ، حيث إنّها تقابل الرفع وتضادّه ، والأشياء تعرف بأضدادها ، فإذا عرفنا ما هو الموضوع في التكاليف الشرعيّة في الكتاب والسنّة عرفنا المرفوع فيها بالتبع.
وبعبارة اخرى : ما هو الثقل والكلفة التي يشتقّ منها كلمة التكليف ، ومن أين يجيء ويوضع على عهدة المكلّف حتّى يكون هو المرفوع؟
فنقول في الجواب : إنّ الموضوع والمحمول على المكلّف في لسان الآيات إنّما هو الفعل كالرزق ( بمعناه المصدري ) والكسوة الموضوعين على عهدة الأب في قوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (١) ، فالموضوع في هذه الآية فعل الرزق وفعل الكسوة كما هو واضح ، وكالفدية في قوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) (٢) ، والصيام في قوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) وحجّ البيت في قوله تعالى : ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ).
وهكذا في الروايات كقوله عليهالسلام : « عليك القضاء » أو « عليك الإعادة » أو « عليك الحجّ من قابل » فالموضوع على عهدة المكلّف إنّما هو القضاء أو فعل الإعادة أو الحجّ ، فكأنّ للأفعال ثقلاً في عالم التشريع يضعه الشارع على عاتق المكلّفين ، نعم إنّه كناية عن الإيجاب ، وهى غير تقرير الوجوب ، ولا يلزم فيها مجاز ، بل يستعمل كلّ لفظ في معناه الموضوع له ، ففي قولك : « زيد كثير الرماد » استعمل كلّ واحد من « زيد » و « كثير الرماد » في معناه الموضوع له وإن لم يكن المستعمل فيه مراداً جدّياً للمتكلّم ، فوضع فعل كالصيام والحجّ والإعادة والقضاء على عاتق المكلّف كناية عن وجوبه.
فإذا كان متعلّق الوضع هو الفعل فليكن متعلّق الرفع أيضاً كذلك ، ففي قوله صلىاللهعليهوآله : « رفع ما لا يعلمون » إنّما رفع الفعل المجهول كما أنّ المرفوع في « ما اضطرّوا إليه » و « ما استكرهوا عليه » هو الفعل الاضطراري أو الإكراهي الذي كان يثقل على عاتق المكلّف لولا حديث الرفع ، لا أن يكون المرفوع هو الحكم حتّى نحتاج إلى تقدير.
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢٣٣.
(٢) سورة البقرة : الآية ١٨٤.