بالنسبة إلى الشبهات الموضوعيّة التحريميّة ، نعم استدلّ المحقّق الخراساني رحمهالله في حاشية الرسائل لوجوب الفحص مطلقاً بالنسبة إلى البراءة العقليّة بأنّ العقل لا استقلال له بالبراءة قبل الفحص في الشبهات الموضوعيّة مطلقاً كما يظهر ذلك من استحقاق المبادر إليه قبله عند العقلاء للّوم والذمّ (١).
والشيخ الأعظم رحمهالله فصّل بين الشبهة الوجوبيّة والتحريميّة ، وذهب إلى عدم وجوب الفحص في التحريميّة ، واستدلّ له بإطلاق الأخبار مثل قوله عليهالسلام : « كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام » وقوله عليهالسلام : « حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة » وقوله عليهالسلام : « حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه الميتة » وغير ذلك من الأحاديث السالمة عمّا يصلح لتقييدها.
وأمّا الشبهة الوجوبيّة فقال بالنسبة إليها : إنّ مقتضى أدلّة البراءة حتّى العقل كبعض كلمات العلماء عدم وجوب الفحص أيضاً وهو مقتضى حكم العقلاء في بعض الموارد مثل قول المولى لعبده : « أكرم العلماء أو المؤمنين » فإنّه لا يجب الفحص في المشكوك حاله في المثالين ، إلاّ أنّه قد يترائى أنّ بناء العقلاء في بعض الموارد على الفحص والاحتياط كما إذا أمر المولى باحضار علماء البلد أو أطبّائها أو إضافتهم أو إعطاء كلّ واحد منهم ديناراً ، فإنّه قد يدّعي أنّ بناءهم على الفحص عن اولئك وعدم الاقتصار على المعلوم ابتداءً مع وجود غيرهم في البلد.
ثمّ نقل من صاحب المعالم رحمهالله ما يظهر منه وجوب الفحص ، ومن المحقّق القمّي في القوانين أنّه أيّد ذلك بأنّ الواجبات المشروطة بوجود شيء إنّما يتوقّف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده ، فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط ، مثل أنّ من شكّ في كون ماله بمقدار استطاعة الحجّ لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه أن يقول : إنّي لا أعلم أنّي مستطيع ولا يجب عليّ شيء » بل يجب عليه محاسبة ماله ليعلم أنّه واجد للاستطاعة أو فاقد لها ، ونقل من العلاّمة في التحرير في باب نصاب الغلات أنّه قال : ولو شكّ في البلوغ ولا مكيال هنا ولا ميزان ولم يوجد سقط الوجوب دون الاستحباب ( انتهى ) وقال : وظاهره جريان الأصل مع تعذّر الفحص وتحصيل العلم ( فلا يجري مع عدم تعذّره ).
ثمّ ساق الكلام إلى أن قال : ثمّ الذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص أنّه إذا كان العلم
__________________
(١) حاشية الرسائل : ص ١٦٨ ، طبع مكتبة بصيرتي.