فَوَ اللهِ ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي أُرِيدُ الْبَادِيَةَ أَوْ (١) أَهُمُّ بِهَا (٢) ، فَأَثْقُلُ (٣) عَنْهَا ، وأُرِيدُ الْحَجَّ فَمَا أُدْرِكُهُ إِلاَّ بَعْدَ كَدٍّ وتَعَبٍ ومَشَقَّةٍ عَلى نَفْسِي ؛ فَاطْلُبْ غَيْرِي ، وسَلْهُ ذلِكَ ، ولَاتُعْلِمْهُمْ أَنَّكَ جِئْتَنِي ».
فَقَالَ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ مَادُّونَ أَعْنَاقَهُمْ إِلَيْكَ ، وإِنْ أَجَبْتَنِي لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنِّي (٤) أَحَدٌ ، وَلَكَ أَنْ لَاتُكَلَّفَ قِتَالاً ولَامَكْرُوهاً.
قَالَ : وهَجَمَ عَلَيْنَا نَاسٌ فَدَخَلُوا ، وقَطَعُوا كَلَامَنَا ، فَقَالَ أَبِي : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ : « نَلْتَقِي إِنْ شَاءَ اللهُ ». فَقَالَ : أَلَيْسَ عَلى مَا أُحِبُّ؟ فَقَالَ (٥) : « عَلى مَا تُحِبُّ ـ إِنْ شَاءَ اللهُ ـ مِنْ إِصْلَاحِكَ (٦) ».
ثُمَّ انْصَرَفَ حَتّى جَاءَ الْبَيْتَ ، فَبَعَثَ رَسُولاً إِلى مُحَمَّدٍ فِي جَبَلٍ بِجُهَيْنَةَ ـ يُقَالُ لَهُ : الْأَشْقَرُ ـ عَلى لَيْلَتَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَبَشَّرَهُ ، وأَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ لَهُ بِوَجْهِ حَاجَتِهِ ومَا طَلَبَ.
ثُمَّ عَادَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، فَوُقِّفْنَا بِالْبَابِ ـ ولَمْ نَكُنْ نُحْجَبُ (٧) إِذَا جِئْنَا ـ فَأَبْطَأَ الرَّسُولُ ، ثُمَّ أَذِنَ لَنَا ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ ، فَجَلَسْتُ فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ ، ودَنَا أَبِي إِلَيْهِ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ (٨) : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَدْ عُدْتُ إِلَيْكَ رَاجِياً ، مُؤَمِّلاً ، قَدِ انْبَسَطَ رَجَائِي وأَمَلِي ، ورَجَوْتُ الدَّرْكَ (٩) لِحَاجَتِي.
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليهالسلام : « يَا ابْنَ عَمِّ (١٠) ، إِنِّي أُعِيذُكَ بِاللهِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِهذَا الْأَمْرِ
__________________
(١) في « بح » : « و ».
(٢) في مرآة العقول : « الهمّ : فوق الإرادة. ويحتمل أن يكون « أو » بمعنى « بل ». أو الشكّ من الراوي ».
(٣) في « ه » : « فأنقل ».
(٤) في « ب » : « منّي ».
(٥) في « بس ، بف » والوافي والبحار : « قال ».
(٦) في « ب » والبحار : « إصلاح حالك ».
(٧) في « ه » : « فلم يكن يحجب ».
(٨) في « ف » : + « له ».
(٩) « الدَرْك » و « الدَرَك » : اللحاق والوصول إلى الشيء. راجع : لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٤١٩ ( درك ).
(١٠) في « ب ، ه » : « عمّي ».