هو : « لو كنت ممّن يتردّد ونحوه ما تردّدت في شيء مثل تردّدي في وفاة المؤمن لعظم حاله عندي ، يكره الموت وأنا أكره مساءته ، وهذان يوجبان التردّد في وفاته لو كنت ممّن يتردّد ».
ووجدنا بخطّ المصنّف ـ رفع الله درجته ـ عن الصادق عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه أن لا يميته ما أماته أبدا ، ولكن إذا حضر أجله بعث الله عزّ وجلّ ريحين ، ريحا يقال لها : المنسية ، وريحا يقال لها : المسخية ، فالمنسية تنسيه أهله وماله ، والمسخية تسخي نفسه عن الدنيا حتّى يختار ما عند الله » (١).
وقوله : إنّ من عبادي إلى آخره يجري مجرى جواب سؤال مقدّر تقريره : لو كان للمؤمن عند الله منزلة لم يفقر بعضهم حتّى يذوق غصص الاحتياج ، ولم يغن بعضهم حتّى يطغى بسبب غنائه.
فالجواب : أنّ الله عالم بمصالح عباده ، فيعلم أنّه لو أغنى الفقير أو أفقر الغنيّ ، لزم منه الفساد أضعافا ، ذلك بأن يحدث من الفقر أنواع السرقات والخيانات ، ومن الغنى أنواع المعاصي والطغيانات.
وقوله : كنت سمعه وبصره ولسانه ويده هذه استعارة لجعل تصرّفات هذه الجوارح مخصوصة بالله تعالى ، إذ من المحال أن يكون البارئ عزّ وجلّ عبارة عن هذه الجوارح ، أو حالاّ فيها ، ولكن لمّا بذل العبد جهده في طاعة الله وفني عن كلّ ما سواه حتّى فني عن نفسه ، وعن كلّ مرام استحقّ من الله هذا المقام.
وحاصل المقصود ، أنّ المراد تخلية القلب من كلّ شيء سوى الله ، وذلك إنّما هو بالفناء عن كلّ ما عداه ، ولهذا الفناء قال بعض الصوفية : ما في الجبّة إلاّ الله ، وليس المراد الحلول والاتّحاد لامتناعهما ، بل لأنّ العبد فني عن كلّ شيء سوى الله حتّى فني عن نفسه فلا يشعر بها ، فصارت تصرّفاته بتلك الجوارح متوجّهة إليه ، وتردّداتها في
__________________
(١) معاني الأخبار : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، باب معنى الريح المنسية والمسخية.