وترك الأفعال الحسنة معدّ لذلك ، ومسلّط عليه ، فجعل تلك الأفعال قيودا له ، لئلاّ يرتطم في الهلكات ويقتحم في التبعات ، فكان الغرض الذاتي عنده ترك مقتضى الطبع ، وترك العبادات ينافيه ، فكان الترك منافيا للغرض ، فوجب أو ندب الاشتغال بالفعل المحصّل للترك المذكور.
ولعلّ صاحب هذا الرأي ممّن يرى أنّ المطلوب في النهي إنّما هو إيجاد الضدّ ؛ بناء على أنّ الترك غير مقدور ، وهذا القدر يصلح أن يكون متمسّك أصحاب هذين المذهبين الأخيرين.
فلنذكر حجّة من قبلهما. فقد احتجّ الأوّلون بوجهين :
الأوّل : أنّ معنى اللطف حاصل فيها فيكون لطفا.
أمّا الصغرى ؛ فللعلم الضروري بقرب المتّصف بها من الطاعة وبعده من المعصية.
والكبرى ظاهرة. وعليه نبّه البارئ جلّ وعزّ في قوله تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (١) و ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (٢) و ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (٣) و ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) (٤) و ( وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٥) و ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) ـ إلى قوله ـ ( لِلْعُسْرى ) (٦) و ( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ ) (٧) و ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٨).
__________________
(١) هود (١١) : ١١٤.
(٢) العنكبوت (٢٩) : ٤٥.
(٣) البقرة (٢) : ١٨٣.
(٤) التوبة (٩) : ١٠٣.
(٥) المائدة (٥) : ٦.
(٦) الليل (٩٢) : ٥ ـ ١٠.
(٧) المائدة (٥) : ٩١.
(٨) آل عمران (٣) : ٢٠٠.