الأركاني ، فلهذا لم ينحصر الشكر في السمعي.
وقوله : بل أشرف أنواعه فيه شكّ ؛ فإنّ الاعتراف بالنعم يلزمه اعتقاد وجود المنعم وحصوله على صفات الكمال ونعوت الجلال ، ومنها العدل المستلزم لنصب الرؤساء ووضع التكليف المؤدّي إلى أحسن الجزاء ، وذلك هو الإيمان الموجب لسكنى الجنان ، وعمل الجوارح موجب لارتفاع الدرجات.
ولمّا كان دخول الجنّة أصل النعم كان الموصل إليه ـ وهو الاعتراف ـ أحقّ بالشرف الجسيم ؛ فإنّ الأشرفيّة هنا ليست لذاتيهما ، بل لما هو مسبّب عنهما فكلّما كان الموصل إليه أجلّ وأعلى كان الموصل بالشرف أحجى وأولى.
وكلّيّات النعم : أنواعها وأجناسها ، وجزئيّاتها : أصنافها وأشخاصها ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (١) ، فلا تقنطوا من رحمة الله ولا تقصوها.
قال : ( ويلزمه أمور ثلاثة : [ اللازم ] الأوّل : شغل النفس بالفكر في عظمته ، والتصوّر لجلائل نعمته ، والعزم والانبعاث الدائم إلى طاعته ، وابتغاء مرضاته ، وصيانة السرّ عن الاشتغال بتصوّر غيره فضلا عن التصديق به ، إلاّ من جهة أنّه منسوب إليه وفائض عنه ).
أقول : يلزم الشكر ـ وهو الاعتقاد القلبي لنعم الله ـ ثلاثة أشياء : هي شغل النفس بالفكر في عظمته ، وشغل اللسان بتنزيهه عمّا لا يليق به ، واستخدام القوى فيما أمر به ؛ فإنّه من لازم الاعتقاد المذكور ، ونظر في جمال ذاته المطلق ، وغنائه المطلق ، وعظم نعمه التي لا يقدر العادّون قدرها ، وعزم على طاعته متى حضرت ، وانبعث على فعلها إذ حصلت ، وابتغى بذلك رضاه ، وصان نفسه عن اشتغالها بتصوّر ما سواه فضلا عن التصديق بما سواه ، أي للحكم ببعض ما سواه على بعض. نعم ، يستثنى من ذلك أنّ ما سواه منسوب إليه بالعبوديّة ، وفائض عنه بالمخلوقيّة ، فإنّه يعلم أنّه إذا نظر إلى غيره
__________________
(١) إبراهيم (١٤) : ٣٤.