ونحن نزيدهما ثالثا ، فنقول : لو كان الوجه مجرّد الأمر لوجب المندوب ، والتالي باطل ومثله المقدّم.
بيان الملازمة : وجود العلّة فيه.
وليس لأحد أن يقول : الأمر حقيقة في الوجوب ، مجاز في الندب ؛ لأنّا نقول :
إنّما اعتبرنا مجرّد الأمر لا سواه.
قال : ( وأمّا الترك ؛ فلتوجّه الخطاب بالأفعال ، ولا شعور بالترك البتّة ؛ ولأنّه لو اعتبر لوجب بيانه قبل بيان الواجب والقبيح ، ضرورة تقدّم العلّة الغائية في التصوّر ، ولكان لا يفرّق بين الساهي والمصلّي وبين الساهي عن الشرب والشارب إذا لم يفعلا تركا ).
أقول : هذا إبطالهم للمذهب الرابع ، وهو اللطف في الترك ، وقد ذكروا لإبطاله أمورا ثلاثة :
الأوّل : الخطاب بالفعل ورد على المكلّف من غير علم الترك.
الثاني : لو اعتبر الترك لوجب بيانه قبل بيان الواجب والقبيح ؛ ضرورة تقدّم العلّة الغائية في التصوّر.
وهذان الوجهان متّحدان أو متقاربان ، ومع ذلك فيهما نظر ، فإنّ كثيرا من غايات التكليف غير مشعور به للمكلّف ، كعدّة الصغيرة واليائسة ، ويكون الانقياد إلى الموجب سجيّة في ذلك أبلغ.
وقوله : ضرورة تقدّم العلّة الغائيّة في التصوّر ، إنّما هو في الربّ الملزم بالإقدام والإحجام ، لا فيمن سقطت عليه الأحكام ، وسيأتي المصنّف بالكلام في هذا المقام.
الثالث : لو اعتبر الترك لما وقع الفرق بين الساهي والمصلّي ؛ لأنّهما معا غير تاركين ، وفي رفع الفرق رفع وجوب الصلاة. ولما وقع الفرق أيضا بين الساهي عن شرب الخمر وشاربه ؛ لأنّهما لم يفعلا تركا ، وفي رفع الفرق رفع تحريم الشرب ، وهما باطلان ، فيبطل ملزومهما.