ولمكلّف دون آخر ، فيجب على الحكيم تعالى تغيير الأحكام لذلك ، ولو كان الحسن والقبح ذاتيين لم يتوجّه النسخ ؛ لامتناع زوال الذاتي عمّا هو ذاتي.
قال : ( إذا لحظ ذلك فنقول : لو لا الوجه المخصوص لكان ترجيح الواجب بخصوصه على الحرام ليس أولى من عكسه ، وبطلان التالي ظاهر ، فحينئذ نشرع في بيان الوجه مفصّلا في ثلاثة مباحث ).
أقول : يريد باللحظ هنا مجازه ، وهو الفهم القلبي ؛ لأنّه حقيقة في نظر العين ، واللّحاظ ـ بفتح الفاء ـ مؤخّر العين ممّا يلي الصدغ ، وـ بكسرها ـ من لاحظته إذا رعيته.
والضمير في ذلك يعود إلى أنّ للأفعال وجوها ؛ إذ لولاها لكان تخصيص الواجب بالوجوب دون التحريم ، والحرام بالتحريم دون الوجوب ترجيحا من غير مرجّح ؛ لعدم الأولويّة. أمّا مع الوجوه فالأولويّة حاصلة.
وعنى بالتفصيل المذكور في الأبحاث الثلاثة وجه العملي العقلي الضروري ، والعملي العقلي النظري ، والعملي السمعي. وكان ينبغي أن يكون لها رابع ؛ لأنّ السمعي ينقسم إلى ضروري ونظري كما سلف منه رحمهالله ، ولكن لمّا كان الوجه فيهما واحدا لم يقسّمه إليهما.
قال : ( [ المبحث ] الأوّل : وجه الضروري ، هو اشتماله على المنافع والمضارّ التي لا يمكن مفارقتها إيّاه كالصدق والإنصاف. ومن جعلها لذاته علّلها بنفس كونها صدقا وإنصافا إلى آخره ؛ لدوران العلم بأحكام تلك الأفعال والتروك مع العلم بها وجودا وعدما. فلو كان هناك وجه آخر امتنع ذلك بالنسبة إلى الجاهل بذلك الوجه ؛ ولأنّه لو كان غير ذاتي لأمكن الانقلاب في الأحكام ، وإنّه محال ).
أقول : هذا ظاهر ، وقد أسلفنا فيه كلاما عند ذكر حجّة البصريّين ، وأسلفنا أن