الاكتفاء ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ ) (١) أي كافيك.
الثالث : كمّيّته ، ونعني بها أنّ العلم يكثر بكثرة النظر ويقلّ بقلّته ، كالألم يكثر بكثرة الضرب ويقلّ بقلّته ، فعلم بالاستقراء تولّده له ، وهو أيضا دالّ على الالتزام.
الرابع : أنّ العلم النظري لا يحصل لمن ترك النظر ، ويحصل لمن نظر.
وفيه دلالة. على سببيّته ، ولو انتفت السببيّة لجاز العكس ، والبديهة تأباه ، وهذه الأدلّة علمت صحّتها بالاستقراء التامّ ، وهو حجّة.
فإنّ قيل : يجوز حصول العلم برياضة وشبهها ، فلا يكون الاستقراء تامّا فلا يكون حجّة.
قيل في الجواب : إنّ الحاصل بما ذكرت ليس علما نظريّا ، والكلام فيه ليس إلاّ ، وسيأتي نفي غيره من الطرق.
قال : ( وأمّا انتفاء غيره من الطرق ؛ فلأنّ المعرفة ليست شيئا من أقسام الضروري ، وما ليس بضروري نظري قطعا. وأمّا الثالث فقد مرّ.
ومن زعم حصول المعرفة بغير نظر فهو كمن رام بناء من غير آلات ، وكتابة من دون أدوات ).
أقول : المعارف منحصرة في الضروري والنظري ؛ لأنّها إن افتقرت إلى طلب فنظري ، وإلاّ فضروري. فكلّ علم أخرج من أحد القسمين دخل في الآخر ؛ للحصر المذكور ؛ فلهذا قال : قطعا.
والثالث : الذي مرّ ، هو وجوب ما لا يتمّ الواجب بدونه. ثمّ استظهر المصنّف على نفي غيره من الطرق بأن قال : من زعم حصول معرفة بغير نظر فهو كمن رام بناء من غير آلات ، وكتابة من دون أدوات ، فكما أنّه يستحيل بناء بغير أحجار وأخشاب ، وكتاب من غير كواغذ وأقلام ، ونحو ذلك من الصنائع ، فكذا يستحيل
__________________
(١) الأنفال (٨) : ٦٤.