ومن ثمّ تطرّق النسخ إلى السمعيّات ، يعنون لأجل انتقال الوجه ينتقل الحكم.
الرابع : يقبح في الشاهد إلزام فاعل النعمة شكر قابلها ، فالبارئ سبحانه أولى ، وهذا راجع إلى تحسين العقل وتقبيحه.
قال المصنّف : ( وفي الجميع نظر. أمّا الأوّل ؛ فلأنّه وارد في كلّ عبادة عقليّة كانت أو نقليّة ؛ فإنّ فعلها مقرّب من عبادة أخرى ، وتركها مبعّد ، مع أنّ وجوبها لا يكون معلّلا بها ، فلو صحّ هذا لزم تعليل كلّ عبادة بالأخرى ، وهم لا يقولون به ).
أقول : قد أورد المصنّف رحمهالله على حجّة صاحب اللطف وعلى طعنه في باقي المذاهب إيرادات :
الإيراد الأوّل على الوجه الأوّل من وجهي اللطف : أنّ ما ذكرته من التقرير والتعبيد وارد في كلّ من أفراد العبادات العقليّة والنقليّة ، فإنّ كلّ واحد منها مقرّب من عبادة أخرى ، وتركه مبعّد كذلك ، مع أنّ وجوب كلّ فرد ليس معلّلا بالآخر ، فلو جعل التقريب والتعبيد علّة لزم تعليل كلّ فرد بآخر قال : وهم لا يقولون به.
واعلم أنّ هذا إلزام من المصنّف لأصحاب هذا المذهب وإلاّ فليس من البعيد تعليل كلّ عبادة بأخرى ، ومن تتّبع ذلك علمه.
قيل : لو كان السمعي لطفا في العقلي لزم تقدّمه عليه ؛ لوجوب تقدّم اللطف على الملطوف فيه ، والتالي باطل فالمقدّم مثله ، والملازمة ظاهرة.
وهذا الوجه رأيته في المنام بعد أن تجاوزت هذا المحلّ بأيّام ، وبعد ذلك وجدته وعليه جواب أعتقده صوابا ، هو أنّ السمعي لطف في وقوع العقلي من المكلّف ، لا في وقوعه عليه ، والمتقدّم على السمعي هو التالي لا الأوّل ، وقد سلف ذلك منّا أيضا عند ذكر اللطف.
قال : ( وأمّا الآيات الكريمة ؛ فإنّها تدلّ على حصول هذه الغايات عندها. وأمّا أنّ تلك الغايات هي العلّة الموجبة لأجلها فلا. والنزاع إنّما هو فيه ).