مقام المبدل بلا ضرورة ، فلا سبيل إلى تعيين المبدل ، كخصال بعض الكفّارات لمّا قام بعضها مقام بعض لم يجب الجميع ، ولم يسقط الجميع ؛ إذ لو وجب الجميع لزم العبث في الزائد ، ولو سقط الجميع خرج الواجب عن وجوبه.
إن قلت : فعلى هذا ينتفي الترتيب من بعض الكفّارات ، فإنّ كفّارة رمضان خصالها خصال كفّارة الظهار ، مع تخيير الأولى وترتيب الثانية ، فإن دلّت الرمضانيّة على تساوي الخصال الموجب للتخيير ، دلّت الظهاريّة على عدمه الموجب للترتيب ، فيكون الشيء الواحد مساويا لغيره ومخالفا له ، وهو جمع بين المتنافيين.
قلت : التساوي والاختلاف هنا ليسا ذاتيّين حتّى يكون جمعهما جمعا للمتناقضين ، بل من أحكام عارضة مستندة إلى اختيار الموجب ، فجاز أن يختار في أحد الموضعين الترتيب ، لعلمه بأنّه أثقل فيه فيكون أردع عنه ، مع أنّه يجوز أن يكون شيء مساويا لشيء من وجه ومخالفا له من آخر ، كجزء العلم المتعلّق بما تعلّق به العلم على ما قيل في موضعه ؛ فإنّ جزء العلم خالف جملته في الذات وساواها في التعلّق ، وهنا جاز أن يعلم للحكم أنّ الخصلة المتأخّرة في المرتبة لا تقوم في المصلحة مقام المتقدّمة إلاّ مع العجز عنها ، ويعلم في المخيّرة قيامها في المصلحة مقامها ، وإن كانت الأخرى مقدورة ، وليس للحصر اعتراض على التمام كما جرى لموسى عليهالسلام مع الخضر عليهالسلام حيث قبح في معرفته ما حسن للآخر في حكمته (١).
قال : ( [ المذهب ] الثاني : مذهب أبي القاسم الكعبي ، وهو أنّه الشكر لنعم الله سبحانه. ولا نعني به انحصار طريق الشكر فيه ، بل على معنى أنّه نوع من الشكر ، بل أشرف أنواعه ؛ فإنّ الشكر يطلق على الاعتقاد المتعلّق بأنّ جميع النعم من الله سبحانه كلّيّاتها وجزئيّاتها ).
أقول : هذا هو المذهب الثاني من الأربعة ، وهو أنّ الوجه في التكليف السمعي هو الشكر لنعم الله ، ومحالّ الشكر ثلاثة : الاعتراف الجناني ، والنطق اللساني ، والعمل
__________________
(١) الكهف (١٨) : ٦٤ ـ ٨٢.