الثاني : إبطال كلّ من الأقوال الأخيرة.
أمّا مذهب الأمر والنهي ؛ فلأنّه بناء على ما سلف ، وعلى فقد وجه الفعل.
ونحن نقول : إنّهما فرع الوجه فلا يكونان مؤثّرين فيه وإلاّ لجاز الأمر بالقبيح فينقلب حسنا ، والنهي عن الحسن فينقلب قبيحا ، وإنّه باطل.
وأمّا الترك ؛ فلتوجّه الخطاب بالأفعال ، ولا شعور بالترك البتّة ؛ ولأنّه لو اعتبر لوجب بيانه قبل بيان الواجب والقبيح ، ضرورة تقدّم العلّة الغائيّة في التصوّر ، ولكان لا يفرّق بين الساهي والمصلّي ، وبين الساهي عن الشرب والشارب إذا لم يفعلا تركا.
وأمّا الشكر ؛ فلأنّه لغة طمأنينة النفس على تعظيم المنعم كما نقله بعض المتكلّمين ، أو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف كما ذكره اللغوي (١).
وعرفا الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم ؛ لدوران الشكر معه وجودا وعدما.
وظاهره مغايرة العبادة للمعنيين.
ولأنّ مجرّد الاعتراف القلبي كاف في معرفة الله سبحانه شكر العبد ، وإنّما احتيج إلى اللسان لإشعار المشكور ، فلا معنى لوجوب الزائد على الاعتراف.
ولأنّ الشكر يمتنع الخلوّ من وجوبه بخلاف العبادة ، فإنّها قد يقبح واجبها كصلاة الحائض ، ويجب قبيحها كأكل الميتة ، ومن ثمّ تطرّق النسخ إلى السمعيّات. ولقبح الإلزام بشكر النعمة شاهدا فكذا غائبا.
وفي الجميع نظر.
أمّا الأوّل ؛ فلأنّه وارد في كلّ عبادة ، عقليّة كانت أو نقليّة فإنّ فعلها مقرّب من عبادة أخرى ، وتركها مبعّد ، مع أنّ وجوبها لا يكون معلّلا بها ، فلو صحّ هذا لزم تعليل كلّ عبادة بالأخرى ، وهم لا يقولون به.
وأمّا الآيات الكريمة ؛ فإنّها تدلّ على حصول هذه الغايات عندها.
وأمّا أنّ تلك الغايات هي العلّة الموجبة لأصلها فلا. والنزاع إنّما هو فيه.
__________________
(١) لسان العرب ٤ : ٤٢٤ ، « ش. ك. ر ».