بمعنى أنّ الممتثل للسمعي أقرب من العقلي ، وغيره أبعد ، ولا نعني بذلك أنّ اللطف في العقلي منحصر في السمعيّات ؛ فإنّ النبوّة والإمامة ووجود العلماء والوعد والوعيد بل جميع الآلام يصلح للألطاف في العقليّات أيضا ، وإنّما هو نوع من الألطاف الواجبة يكاد أن يكون ملاكها ؛ فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام والعالم إنّما يدعون إليه ، والوعد والوعيد إنّما يتوجّهان عليه.
فإن قلت : فإذن يقوم غيره من الألطاف مقامه ، فلا يجب.
قلت : ظهر ممّا بيّنّاه أنّ جميع الألطاف متعلّقة به ومردّها إليه ، فيمتنع قيام غيره مقامه. ومن هنا يعلم السرّ في الواجب والمستحبّ المخيّرين ؛ فإنّه لمّا كان المقصود اللطف ، وهو حاصل في كلّ من الخصال بلا مزية لإحداهما على الأخرى ، لم يكن لإيجاب الجميع معنى ، ولا لترك إيجاب شيء سبيل ، فتعيّن التكليف على طريق التخيير.
[ المذهب ] الثاني : مذهب أبي القاسم الكعبي ، وهو أنّه الشكر لنعم الله سبحانه (١). ولا نعني به انحصار طريق الشكر فيه ، بل على معنى أنّه نوع من الشكر ، بل أشرف أنواعه ؛ فإنّ الشّكر يطلق على الاعتقاد المتعلّق بأنّ جميع النعم من الله سبحانه كلّيّاتها وجزئيّاتها. ويلزمه أمور ثلاثة :
[ اللازم ] الأوّل : شغل النفس بالفكر في عظمته ، والتصوّر لجلائل نعمته ، والعزم والانبعاث الدائم إلى طاعته ، وابتغاء مرضاته ، وصيانة السرّ عن الاشتغال بتصوّر غيره فضلا عن التصديق به إلاّ من جهة أنّه منسوب إليه وفائض عنه.
وهنالك يستوعب جلال الله سبحانه الفكر بحيث يصير مقصورا عليه ليس إلاّ ، ويصير همّ العاقل شيئا واحدا ، وغايته ذلك الشيء ، فينظر فيه ، وبه ، ومنه ، وإليه ، وعليه ، ويحذف غيره من درجات الاعتبار حتّى الجنّة والنار.
ومن هنا قال العالم الربّاني القدسي عليّ أمير المؤمنين وارث النبيّ عليهما أفضل
__________________
(١) انظر مناهج اليقين : ٢٨٦ ـ ٢٨٧.