على الجملة من أحكام الأفعال وغنائه من وجوب وجوده مطلقا قطعا ؛ للدور والتسلسل لو كان ممكنا ).
أقول : أمّا وجوبه على الله تعالى ؛ فلأنّه لولاه لزم الإغراء بالقبيح ، حيث خلق العبيد والإماء وجمع بينهم في البسيطة وجعلهم ذوي شهوات ، فلو لم يرسل إليهم ما يمنعهم عن فعل مقتضياتها بل أهملهم كان مغريا لهم بالقبيح ، وهو قبيح لازم عن ترك التكليف ، فيجب فعله في حكمته ، لا أنّ فوقه آمر أوجبه عليه ، كما غالط به من لا تحصيل له. وذلك مبنيّ على تحسين العقل وتقبيحه ، إذ لولاه لجاز الإخلال بالتكليف ، فإذا قيل : هو قبيح ، قال الشارع الذي قبّح الأشياء : إنّي لم أجعل ذلك قبيحا.
أمّا في بيان بطلان شرعيّتهما بعد العلم الضروري بذلك ، فله وجوه : أمتنها لزوم الدور المضمر ؛ لتوقّف صدق الرسول على المعجز الموقوف على قبح إظهاره على كذّاب ، الموقوف ذلك القبح على صدقه ، فيلزم الدور وهو خلف فيثبت نقيضه ، وهو حكم العقل بهما ، وهو المطلوب ، وسيأتي في ذلك مزيد كلام إن شاء الله.
وأمّا أنّه تعالى منزّه عن الفعل والترك للقبيح والواجب فلعلمه بقبحه ؛ لعموم علمه لاستواء نسبة ذاته ونسبة ما عداه في صحّة معلوميّته المستفاد مطلقه من أحكام فعله.
قوله : وغناه ، أي منزّه عن القبيح لعلمه بقبحه ، ولغناه المستفاد من وجوبه ؛ للزوم الدور والتسلسل من إمكانه.
وقوله : مطلقا. يمكن عوده إلى وجوبه ، أي وجوبه مطلقا لا يتّصف بزوال في وقت أو في حال ، ويمكن عوده إلى غنائه يعني في ذاته وصفاته ، والحمل عليهما صالح في الاستخدام.
وقد استخدم المصنّف ـ والله أعلم ـ في قوله أوّلا : غنائه فإنّها تعطف على علمه ، أي لعلمه ولغنائه كما ذكرناه ، وتعطف على قبحه أي لعلمه بقبحه ، وتكون دلالة اللفظ على الغنى التزاميّة.
والموجب لما قلناه أنّ نفي القبيح موقوف على ثلاثة أشياء : العلم بقبحه ، والغنى