من وجوبه. فلو كان التحسين والتقبيح إنّما هما من الشارع حتّى صدّق بخلق المعجز من ليس بنبيّ ، فإذا قيل : تصديق الكاذب قبيح ؛ لأنّه كذب ، قال : إنّ تقبيح الأشياء بوضعي ، وأنا لم أضع القبيح على كذبي.
فإذا جوّز العاقل ذلك لم يبق له طريق إلى إثبات النبوّة ، فيبطل السمع المتوقّف عليهما.
قال : ( الثانية : هل حسن الأشياء وقبحها للذات ، أو للوجه اللاحق للذات؟ البصريّون من العدليّة على الأوّل ، والبغداديّون على الثاني ؛ لتعليل كلّ منهما بعلل عارضة ؛ ومن ثمّ أمكن كون الشيء الواحد بالشخص حسنا وقبيحا باعتبارين ، كضرب اليتيم ؛ وعلى هذا يترتّب النسخ ).
أقول : حجّة الأوّلين لم يذكرها المصنّف لكنّه أدرجها فيما يأتي. وملخّصها أنّا متى علمنا كون الشيء صدقا وإنصافا علمنا حسنه ، ومتى لا فلا ، فدلّ الدوران على أنّه لو كان له وجهة غير كونه صدقا لتخلّف العلم بحسنه عمّن جهل ذلك الوجه ، ولأمكن الانقلاب في الأحكام فيصير الحسن قبيحا وبالعكس.
والقبيل الآخر يلتزمون بهذا ولم يجعلوه محالا ، وسيأتي ذلك في حجّتهم.
حجّة الآخرين : أنّ الحسن والقبح يعلّلان بعلل عارضة ، فيعلّل حسن الخبر وقبحه بمطابقته وعدمها ، وهما عارضان. ولو كانا ذاتيّين امتنع تعليلهما بالعارض ، نتج من الشكل الثاني كونهما ليسا ذاتيّين ، ولأجل تعليلهما بالعوارض أمكن كون الشيء الواحد حسنا باعتبار قبيحا باعتبار ، فإنّ ضرب يتيم واحد في زمان واحد من ضارب واحد مع قصد التأديب مليح ، ومع قصد الإهانة قبيح. وإنّما قيّد الوحدة بالشخص كما ذكرناه ؛ لتخرج الوحدة بالجنس والنوع ، فإنّ جنس الفعل ينقسم إلى حسن وقبيح.
وكذا نوعه كالخبر ينقسم إلى مطابق فيحسن ، وإلى غيره فيقبح.
قوله : وعلى هذا يترتّب النسخ. شروع منه في حجّة أخرى للبغداديّين ، وهي أنّ النسخ هو تغيير الأحكام بتغيير المصالح ، فيكون الفعل حسنا في زمان دون آخر ،