لطيفة :
هذه الأصول منها ما هو أصل لسائر الأصول أيضا ، فإنّ الوجود أصل للحياة ، فإنّها لمّا كانت عرضا يفتقر إلى محلّ موجود ؛ لامتناع قيام الموجود بالمعدوم ، ووجوده سابق لوجودها ؛ لوجوب سبق المحلّ على الحالّ فيه ، فتبيّن أنّ الوجود أصل لها ، هذا.
والحياة أصل للخمسة الباقية ؛ ضرورة كونها من الأعراض المشترطة بالحياة ، والإدراك أصل للشهوة والنفرة ؛ لأنّه ما لم يدرك الحيوان الملائم والمنافي ـ ولو بوجه ما ـ لم يشته الأوّل وينفر عن الثاني.
تنبيه :
الإيجاد الذي هو أحد الأصول المراد به الوجود ، إطلاقا لاسم السبب على المسبّب ؛ لأنّ الإيجاد هو نفس تأثير المؤثّر المتقدّم على الوجود بالعلّيّة ، والشيء قبل وجوده لا يكون منعما عليه ؛ لامتناع تعلّق النعمة بالمعدوم ؛ لأنّها المنفعة الواصلة إلى الغير على وجه الإحسان إليه ، ولا تصل إلى معدوم منفعة بالضرورة.
قوله : ( ثمّ خلق فروعها المشتهيات والملذّات ، حتّى أنّه ليس نفس يمضي إلاّ وفيه لله نعمة يجب شكرها ).
أقول : إنّما أتى المصنّف رحمهالله بذكر النفس ـ وإن كان سائر نعم الله سبحانه مترادفا ـ لاشتهاره وتتاليه وسرعة مجيئه وذهابه.
إن قلت : فهلاّ ذكر « الآن » الذي هو أقصر من زمان النفس المذكور.
قلت : « الآن » غير متصوّر لكثر من الناس ، على أنّه مفهوم من النفس المذكور ، فإنّه لمروره على المسافة دائما أو أكثريّا طابق جزؤه جزء الزمان الذي هو الآن.
وقوله : ( يمضي ) يحتمل أن يكون بمعنى مضى ؛ إذ النفس المستقبل لا يعدّ نعمة ، والمستقبل يأتي بمعنى الماضي ، وشاهده قوله تعالى : ( فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ ) (١). أي قتلتم.
__________________
(١) البقرة (٢) : ٩١.