أقول : الآيتان فيهما حثّ على الذكر ، وترغيب عن المال والأهل.
واعلم أنّ الذكر يستعمل في معان :
منها : الذكر القلبي ، وهو استحضار جلال الله وعظمته في قلب عبده ، وهو المراد هنا.
ومنها : إذا عرض له طاعة ذكر الله ففعلها له ، وإذا عرض له معصية ذكر الله فتركها له.
ومنها : الذكر اللساني ، وهو ترطيبه بالتحميد والثناء والتمجيد والدعاء.
ومنها : القرآن : ( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ ) (١).
ومنها : الرسول : ( قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً ) (٢).
ومنها : أمير المؤمنين عليهالسلام : ( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي ) (٣).
ومعنى الحديث ظاهر ، غير أنّ القسم الثاني وهو عبادة الأجير يفهم منه ثبوت واسطة ليس عبدا ولا حرّا ، والحقّ نفيها ، بل الأجير كالعبد من وجهين :
الأوّل : أنّ رقّ الطمع أذلّ من رقّ العبوديّة لكنّه مجاز.
الثاني : أنّ الأجير مملوكة منافعه كالعبد.
إن قلت : فعلى هذا يكون ذكر العبد كافيا عنه.
قلت : لفظ العبد إنّما ينصرف عند الإطلاق إلى المملوك نفسه ، فهو حقيقة فيه ، وعبوديّة الأجير مجاز كما عرفت.
أو نقول : هو محذوف المضاف وتقديره [ عبادة ] العبيد كعبادة الأجراء ، وهذا هو الأظهر.
ولا شكّ أنّ عبادة الأحرار أفضل العبادة ؛ لعدم شائبيّة الإخلاص ، فهي من مراتب الخواصّ ، وقد سلف مزيد كلام في هذا الفصل أمام الفصل الثالث بغير فصل.
__________________
(١) الأنبياء (٢١) : ٢.
(٢) الطلاق (٦٥) : ١٠ ـ ١١.
(٣) الفرقان (٢٥) : ٢٩.