الأوّل ، وهذا هو قياس الخلف الذي عرّفه المنطقيّون بأنّه : إثبات المطلوب بإبطال نقيضه. والخلف هو المحال. يقال : « سكت ألفا ونطق خلفا » (١).
وتقريره هنا : لو صحّ شيء من المذاهب الأخيرة لزم المحالات الآتية ذكرها ، وما استلزم المحال فهو محال ، فالمذاهب الأخيرة محال ، فإذا بطلت ثبت نقيضها وهو المطلوب.
وأنا أقول : إنّه لا تناقض بين المذاهب الأربعة ؛ لجواز الخلوّ منها أجمع ، ويكون الوجه شيئا آخر لا نعلمه ، ولا يلزم من عدم العلم به عدمه. ويجوز الجمع ؛ لعدم المنافاة بينها ؛ إذ يجوز اشتمال كلّ عبادة على كلّ واحد منها ، والنقيضان لا يجتمعان ، ولا يرتفعان.
وقد أبطلوا مذهب الأمر والنهي بأمرين اثنين :
[ الأمر ] الأوّل قولهم : مذهب الأمر والنهي بناء على ما سلف ، يعنون به هدم تحسين العقل وتقبيحه ، وهدم تعليل أفعاله تعالى بالأغراض ، وأنّه لا وجه للفعل يوجب حسنه أو قبحه.
قالوا : ونحن نقول : إنّهما فرع الوجه ، فلا يكونان مؤثّرين فيه ، يعنون الأمر والنهي فرع الوجه ، فإنّه لو لا اشتمال الواجب على الرجحان في نفسه والحرام على المرجوحيّة ، لمكان تعلّق الأمر بالأوّل والنهي بالثاني ترجيحا من غير مرجّح ، فظهر بذلك فرعيّتهما على الوجه فلو أثّر في إسقاطه لسقطا ؛ إذ كلّ فرع عاد على أصله بالإبطال عاد على نفسه به.
وأقول : للأشعري منع امتناع الترجيح بلا مرجّح من المختار ، فيسقط المبنى ، فيسقط الوجه ، فيسقط الفرع.
الأمر الثاني : لو لا الوجه لجاز الانقلاب المذكور أيضا ، وهو محال عندهم.
__________________
(١) في المستقصى في أمثال العرب ٢ : ١١٩ / ٤١٥ : « سكت ألفا ونطق خلفا : أي رديئا. أطال رجل الصمت عند الأحنف حتّى أعجبه ، ثمّ تكلّم فقال له : يا با بحر! أتقدر أن تمشي على شرف المسجد؟ فقال ذلك ».