قال : ( ولا نعني بذلك أنّ اللطف في العقلي منحصر في السمعيّات ؛ فإنّ النبوّة والإمامة ووجود العلماء والوعد والوعيد بل جميع الآلام يصلح للألطاف في العقليّات أيضا ، وإنّما هو نوع من الألطاف الواجبة يكاد أن يكون ملاكها ؛ فإنّ النبيّ والإمام والعالم إنّما يدعون إليه ، والوعد والوعيد إنّما يتوجّهان عليه ).
أقول : ليس في كون السمعيّات لطفا نفيا لغيرها ؛ فإنّ تلك الأمور مقرّبة إليها ومحثّة عليها فتكون ألطافا فيها.
وملاك الشيء ما يندرج الشيء فيه ويرتبط به ويأتي عليه ، وهو كذروة الشيء وسنامه ، ولهذا فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما رواه الترمذي لمّا عدّ لمعاذ خصال الخير قال : « ألا أخبرك بملاك ذلك؟ » قلت : بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسانه ، وقال « كفّ عليك هذا » (١).
والتكليف السمعي نوع من تلك الألطاف المذكورة يقارب أن يكون ملاكها أي شدّها ورباطها ، وبه يتمّ وصولها ، ويؤكّد حصولها ؛ فإنّ الأئمّة إنّما يدعون إليه ، فتكون لطيفيّتهم متفرّعة عليه.
والوعد والوعيد إنّما يتوجّهان على ترك امتثاله ، ويعني به في طرف الوعيد ترك امتثال ما منع من نقيضه.
وقوله : إنّما يدعون إليه ، وإنّما يتوجّهان عليه من الحصر المشار إليه بلفظة « إنّما » نظر ؛ فإنّ الآداب العقليّة النظريّة من مكارم الأخلاق ، وغيرها يدعون أيضا إليها ، وأكثر التوعّدات معلّق عليها ، فعلى المعارف العقليّة الخلود في جنّات النعيم ، وعلى أضدادها الخلود في طبقات الجحيم.
إن قلت على الأوّل : إنّهم لمّا دعوا إلى ما ذكرت صار بدعائهم في القسم السمعي ، وكذا الكلام في المعارف وأضدادها.
__________________
(١) سنن الترمذي ٥ : ١١ / ٢٦١٦ ، باب ما جاء في حرمة الصلاة.