فجعلوا لكلّ واحد من الأحكام الأربعة السمعيّة لطفا في مماثله من الأربعة.
نعم يمكن أن يكون الندب السمعي شرّع لزيادة التقرّب من الواجب العقلي ، ولمّا كانت تلك الزيادة غير واجبة على الحكيم تعالى ، بل هي تفضّل منه ، لم يوصف المقرّب إليها بالوجوب ، فكان مندوبا ، وكذا الكلام في شرعيّة ترك المكروه السمعي.
أقول : إنّ كلّ واحد من الأقسام السمعيّة المذكورة يجوز كونه لطفا لمماثله من الأقسام العقليّة ومخالفه ، فإنّ فعل الواجب جاز كونه لطفا لترك الحرام ، اعتبر قوله تعالى ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (١) ونحوه.
وكذا يجوز كونه لطفا لفعل مندوب أو ترك مكروه.
نعم لا يكون هذان علّة في إيجابه ، فإنّ المتوسّل إليه إذا عرّاه عن الوجوب عريت وسيلته عنه بل يكون الوجه في إيجاب السمعي فعل الواجب أو ترك الحرام العقليّين وإن كان لطفا في المندوب والمكروه إلاّ أنّه بالتبعيّة فلا مدخل لهما في علّيّة وجوبه.
وكذا الكلام في ترك الحرام يكون لطفا في ترك حرام عقلي ، أو فعل واجب عقلي ، وإن تبعه الآخران.
ووجه الندب جاز أيضا كونه لطفا في فعل ندب عقلي ، أو ترك مكروه عقلي ، وكذا ترك المكروه.
ويجوز أيضا كون فعل المندوب وترك المكروه لطفين لفعل واجب وترك حرام.
نعم لا يجوز أن يكون الوجه في شرعيّتهما هو هذه اللّطفيّة ، وإلاّ لكانا واجبين ؛ لأنّ اللطف الواجب واجب فيرتفع المندوب والمكروه السمعيّان إذا عرفت هذا.
فقال هؤلاء : إنّا وجدنا من لازم السمعيّات المذكورة قرّبه ذلك إلى العقليّات الموضوعيّة ، ومن لا فلا ، بل الواقع له البعد عنها. ولمّا كان اللطف مقرّبا كانت السمعيّات منه ، لما عرفت.
__________________
(١) العنكبوت (٢٩) : ٤٥.