قلت : على الأوّل يلزم الدور حينئذ ؛ لأنّه إذا لم يصر سمعيّا إلاّ بدعائهم ، وهم لا يدعون إلاّ إلى سمعي لزم ذلك.
وعلى الثاني : يلزم نفي تعذيب من غفل ومات قبل السمع ؛ لكون العذاب معلّقا بالسمع لا به.
ولقد حقّق في أنّ وجوب النظر عقلي ، وهذا واضح لا غبار عليه ، ولا إشكال يعترى إليه.
قال : ( فإن قلت : فإذن يقوم غيره من الألطاف مقامه ، فلا يجب. قلت :
ظهر ممّا بيّنّا أنّ جميع الألطاف متعلّقة به ، ومردّها إليه ، فيمتنع قيام غيره مقامه ).
أقول : هذا ظاهر على ما بيّن ، وأنت قد عرفت أنّ وجود المرشدين والتوعّدات للفاعلين قد تعلّقا بغير السمعي فلا يستقيم بناؤه عليه ؛ لعدم الأساس فيه.
والأسدّ أن يقال : لو قام غيره مقامه لما تعيّن لكنّه تعيّن بالإجماع ، ولا دور.
ينتج أن لا يقوم غيره مقامه ، وذلك أنّ تعيينه إن كان له علّة فلا يعقل سوى عدم قيام غيره مقامه ، وإن كان لا لعلّة كان عبثا لا يصدر من الحكيم تعالى.
قال : ( ومن هنا يعلم السرّ في الواجب والمستحبّ المخيّرين ؛ فإنّه لمّا كان المقصود اللطف ، وهو حاصل في كلّ من الخصال بلا مزيّة لإحداهما على الأخرى ، لم يكن لإيجاب الجميع معنى ، ولا لترك إيجاب شيء سبيل ، فتعيّن التكليف على طريق التخيير ) (١).
أقول : ظهر من عدم قيام غير السمعي مقامه تعيينه ، ولسنا نبني عدم قيام غيره أيضا مقامه على تعيينه ليلزم الدور ، بل قد عرفت مبناه ؛ لأنّه لو كان له بدل لكان وجوبه تخييرا لا تعيينا لكنّه ليس تخييرا فلا يكون له بدل ، فإنّ البدل الاختياري يقوم
__________________
(١) وهذا العدم له وجود ذهنا ، لجواز تعليل التعيين به ؛ لكونه ذهنيّا أيضا ( هامش المخطوط ).