فإن الناس في فيئكم وفي ظلّكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ، ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم ، وينتقض عليكم أمركم. فإن أبى هؤلاء إلّا ما سمعتم ، فمنّا أمير ومنهم أمير.
فقال عمر : هيهات! لا يجتمع اثنان في قرن ... والله لا ترضى العرب أن يؤمّروكم ونبيّها من غيركم ، ولكنّ العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم ، وولي امورهم منهم. ولنا بذلك على من أبى الحجّة الظاهرة والسلطان المبين ، من ذا ينازعنا سلطان محمّد وإمارته ، ونحن أولياؤه وعشيرته (١) إلّا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورّط في هلكة.
فقام الحباب بن المنذر وقال : يا معشر الأنصار ، املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم ، فأجلوهم عن هذه البلاد ، وتولّوا عليهم هذه الامور ، فأنتم والله أحقّ بهذا الأمر منهم ، فإنّه بأسيافكم دان لهذا الدين من لم يكن يدين به. أنا جذيلها المحكّك (٢) وعذيقها المرجّب (٣). أما والله لو شئتم لنعيدنها جذعة (٤).
__________________
ـ الأنصاري ، شهد بدرا وما بعدها ، وتوفّي في خلافة عمر. الاستيعاب بهامش الإصابة ١ / ٣٥٣. والإصابة ١ / ٣٠٢. وأسد الغابة ١ / ٣٦٤. ونسبه في جمهرة ابن حزم ، ص ٣٥٩.
(١) لمّا سمع عليّ بن أبي طالب هذا الاحتجاج من المهاجرين قال : احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة. النهج وشرحه لابن أبي الحديد ، ط. الاولى ٢ / ٢.
(٢) جذيلها ، تصغير الجذل : أصل الشجرة. والمحكّك : عود ينصب في مبارك الإبل لتتمرّس به الإبل الجربى ، أي قد جربتني الأمور ولي رأي وعلم يشتفى بهما كما تشتفي هذه الإبل الجربى بالجذل وصغره على جهة المدح.
(٣) عذيق : تصغير العذق ، وهي : النخلة. والمرجب ، ما جعل له رجبة ، وهي : دعامة تبتنى من الحجارة حول النخلة الكريمة إذا طالت وتخوفوا عليها أن تنقعر في الرياح العواصف.
(٤) أعدت الأمر جذعا ، أي جديدا كما بدأ ، وإذا أطفئت حرب بين قوم فقال بعضهم : إن شئتم أعدناها جذعة ، أي : أوّل ما يبتدأ فيها.