وإذا كان في هذا الجيش وحده ثلاثة آلاف قارئ فكم كان عدد القرّاء الّذين لم يشتركوا مع هذا الجيش ممن كانوا في المدينة ومكة والطائف وسائر المجتمعات الإسلامية يومذاك؟ مثل الإمام عليّ من الرجال والقارئة الشهيدة أم ورقة من النّساء في المدينة ، وصرّح المؤرخون انّ عدد القتلى من المسلمين كان أربعمائة وخمسين أو خمسمائة وفي الشهداء خمسون أو ثلاثون من حملة القرآن. ذكر خليفة بن خياط في تاريخه أسماءهم وأنسابهم كما ذكروا في سائر كتب السيرة أسماء الشهداء في غزوة بدر وأحد وغيرهما من غزوات الرسول (ص).
وبناء على ذلك بقي من القرّاء في ذلك الجيش وحده خمسون وتسعمائة وألفا قارئ على أقل تقدير ، وان هذه الأخبار تناقض ما رووا.
* * *
كان ذلكم موجزا عامّا لأخبار القرآن في عصر الرسول (ص) ، وفي ما يأتي نورد بإذنه تعالى موجز أخبار تدوين القرآن في ذلك العصر.
أوّلا ـ اهتمام الرسول (ص) بأمر تدوين القرآن :
عند ما هاجر الرسول (ص) إلى المدينة كان فيها من الأوس والخزرج أحد عشر رجلا يكتب بالإضافة إلى سبعة عشر رجلا من القرشيين الّذين كانوا يكتبون في مكّة وهاجروا متدرّجا إلى المدينة ، ومن النّساء المهاجرات الشّفاء بنت عبد الله القرشية العدوية وهي الّتي علّمت حفصة الكتابة (١).
وفي ترجمة الحكم عبد الله بن سعيد بن العاص الأموي من أسد الغابة
__________________
(١) بترجمتها من الاستيعاب ٢ / ١٨٥ ـ ١٨٦ ، والإصابة. أسلمت الشّفاء قبل الهجرة وهي من المهاجرات الأوائل ، وبايعت النبيّ قبل الهجرة ، وكانت من عقلاء النّساء ، وراجع أمر الخط في فتوح البلدان.