ب ـ الآية المنسوخة :
استدلّوا بالآية الّتي رويت عن امّ المؤمنين عائشة في شأن رضاع الكبير والّتي أكلها الداجن.
وحقيقة الأمر أنّه كان اجتهادا خطأ منها في تفسير الآية في مقابل سائر أمّهات المؤمنين اللّاتي خالفنها في شأن هذا الاجتهاد.
ولقائل أن يقول : إنّ الأحوال السياسيّة الّتي خاضتها امّ المؤمنين عائشة للتحريض على قتل الخليفة عثمان ، ثمّ قيادتها الجيش الضخم لقتال الخليفة الوصي الإمام عليّ (ع) كانت قد ألجأتها إلى محادثة الرجال ممّن لم يكونوا من محارمها مثل سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، فاضطرت إلى أن تجتهد وتفتي بانتشار الحرمة من رضاع الكبير كما هو الشأن في رضاع الطفل الصغير.
واستشهدت لذلك بالخبر الّذي روته عن أمر رضاع سالم مولى أبي حذيفة في كبره ، ولمّا خالفها سائر امّهات المؤمنين في هذا الأمر اجتهدت فروت خبرا عن الرسول (ص) في بيان حكم رضاع الكبير بيانا لآية الرضاع وقالت : إن الداجن أكل بيان الرسول (ص) ، ونحن نرى انها اجتهدت ، وأخبرت ذلك عن الرسول (ص) وأن الرسول (ص) لم يقل بانتشار الحرمة من رضاع الكبير (١).
وكذلك الشأن في قصة السورة المنسيّة ، وبيان ذلك أن القرّاء في صدر الإسلام كانوا هم علماء الامّة ومورد احترام الجميع.
ونرى أنّ قرّاء البصرة كانوا يدلون بذلك على الناس أميرا كانوا أو سوقة فلم يرض ذلك أمير البصرة الصحابي أبا موسى ، فجمعهم وروى لهم حديثا عن الرسول (ص) لم يكن لأحدهم علم به ليفهمهم أن ما حفظوه وتدارسوه من بيان
__________________
(١) راجع تفصيل ذلك في فصل (مع الصّهرين) من كتاب أحاديث امّ المؤمنين عائشة ، وكذلك بحث رأيها في رضاع الكبير.