وذلك نحو وصفهم : آدم طوال ، فكان معتدلا أبيض مشرّبا بحمرة ، في صفته عليه الصلاة والسّلام. وقيل : إنّ تحريفهم كان من جهة المعنى ، وهو حمله على غير ما قصد به واقتضاه. وقد رجّح هذا جماعة ، منهم الراغب فقال : وهذا أمثل القولين (١). ولم يبين وجه ذلك ، وبيّنه / غيره فقال : كيف يعتقد أنه تغيير اللفظ والتوراة كثيرة النسخ منتشرة في البلدان؟ فهب أنّ يهود المدينة حرّفوا كتبهم فكيف وافقهم جميع الناس؟ وكيف اتفق التغيير أيضا؟ وعندي جواب نقلته عن شيخنا برهان الدين الجعبريّ المقرىء (٢). وقد ذكرت هذا الاعتراض بحضرة جماعة بالحرم ؛ حرم الخليل إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ، فذكر لي أن بعض مشايخه أجاب به وهو أنّ اليهود كانوا منحصرين بالمدينة وما حواليها ، والتوراة لم تعلم إلا عندهم ، وذلك أنهم انتقلوا من الشام لانتظار النبيّ المبعوث كما هو في القصّة المشهورة. فقولهم : إنّ اليهود كانوا في البلدان والتوراة منتشرة معهم خلاف الواقع ، وإن وجد اليهود بأرض فإنما ذلك على سبيل التردّد لا الإقامة ، وإن اتّفق ذلك فنادر. قوله : (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ)(٣) أي مواجهة.
قوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ)(٤). اعلم أنّ كلام الله البشر على ضربين ؛ أحدهما في الدّنيا وهو ما نبّه عليه بقوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ)(٥) الآية ، والثاني في الآخرة يكلمهم بما فيه غاية السعادة ، وهو قوله كما أخبر عنه الصادق : «اليوم أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم [بعده] أبدا» (٦). قال بعضهم : كلامه لهم في الآخرة ثوابه للمؤمنين وكرامة لهم تخفى عليهم كيفيته. ونبّه تعالى أنه يحرم ذلك على الكفار بقوله : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ)(٧).
__________________
(١) المفردات : ٤٤١.
(٢) هو إبراهيم بن عمر ، ولد بقلعة جعبر (على الفرات) سنة ٦٤٠ فنسب إليها. له نحو مئة كتاب أكثرها مختصر. توفي سنة ٧٣٢ ه.
(٣) ١١٨ / البقرة : ٢.
(٤) ٥١ / الشورى : ٤٢.
(٥) مطلع الآية السابقة.
(٦) البخاري ، التوحيد : ٣٧ ، والإضافة منه.
(٧) ٧٧ / آل عمران : ٣.