فصل العين والهاء
ع ه د :
قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)(١) العهد في الأصل : حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال ، فسمي الموثق الذي يلزم مراعاته عهدا. وعهده تعالى تارة يكون بما ركزه في عقول المكلّفين وتارة يكون بما أمرهم به في كتابه وعلى ألسنة رسله ، وتارة بما يلزمه المكلف نفسه وإن كان ليس بلازم له في أصل الشرع كالنذور ، والكلّ مطلوب فيها الوفاء بها. وعلى ذلك قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً)(٢) وقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) أي اعملوا بما أمرتكم به وانتهوا عمّا نهيتكم عنه أوف لكم بعهدكم بأن أجازيكم بالحسنى وزيادة كما وعدتكم. وقوله : (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) يجوز أن يسأل فيقال : ما فعل صاحبك؟ هل وفى بك أم لا؟ ولا غرو في ذلك فإن القدرة صالحة أن تسأل فيها المعاني كما تسأل الاجسام الناطقة ، وهو قريب من قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ)(٣) توبيخا بفاعل ذلك. وقيل : المعنى مسؤولا عنه من متقلديه هل حفظوه أولا؟ وقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ)(٤). المفاعلة هنا باعتبار ما أمر الله خلقه ، فهذا عهده إليهم ، والتزامهم بذلك عهدهم إليه فتحقّقت المفاعلة. ومثله : (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ)(٥) ويجوز ـ على بعد ـ أن يكون مثل عاقبت وطارقت النّعل.
قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٦) أي لا يصيب عهدي من كان ظالما ، أي أماني. وقيل : إنّ المراد بالعهد التولية والتمكين من عهد فلان إلى فلان الخلافة. والمعنى : لا أولي ولاية شرعية من كان ظالما ، فإنه يقوّي متقوّيا ويغلب متغلّبا ، فلا عهد له شرعا.
__________________
(١) ٤٠ / البقرة : ٢.
(٢) ٣٤ / الإسراء : ١٧.
(٣) ٨ / التكوير : ٨١.
(٤) ٧٥ / التوبة : ٩.
(٥) ١٠ / الفتح : ٤٨.
(٦) ١٢٤ / البقرة : ٢.