المذكّر وضدّاهما المبالغة نحو : رجل عدل ورجال عدل. قال الشاعر : [من الهزج].
فهم رضا وهم عدل (١)
وكذا الوصف لسائر المصادر ، والمطابقة قليلة. وفي مثل قوله : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ)(٢) إشارة إلى ما جبل عليه الآدميّ من الميل ؛ فإنّ الإنسان وإن أمكنه أن يسوّي بينهنّ في النفقة والكسوة والمنزل والمبيت والوطء ولين الكلمة وغير ذلك ، فلن يستطيع أن يسوّي بينهنّ في المحبة ، ولهذا كان عليه الصلاة والسّلام يقول : «اللهمّ إنّ هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك» (٣) إشارة إلى ما ذكرنا من المعنيين. قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً)(٤) إشارة إلى العدل الذي هو القسم والنّفقة. قوله : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)(٥) أي يجعلون له عديلا ، فصار كقوله (٦) : (هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)(٧) وقيل : يعدلون بأفعاله عنه ، وينسبونها إلى غيره كقوله : مطرنا بنوء كذا. ولهذا حكى صلىاللهعليهوسلم عن ربّه : «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب» الحديث (٨) وقيل : يعدلون بعبادتهم عنه إلى من لا يستحق عبادة. بل أن يكون عابدا.
ومن طريف ما يحكى أنّ الخبيث الحجاج بن يوسف الثقفيّ استحضر الحبر الشهيد سعيد بن جبير تلميذ ابن عباس فقال له : ما تقول فيّ؟ قال : وما أقول : أنت قاسط عادل. فأعجب الجماعة بقوله ، فقال الحجاج الخبيث : ما تظنون؟ قالوا : مدحك بالقسط والعدل. فقال : بل بالجور والكفر ؛ ثم تلالهم : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً)(٩)(ثُمَّ الَّذِينَ
__________________
(١) من شواهد المفردات : ٣٢٥. وفي الأصل : عدول.
(٢) ١٢٩ / النساء : ٤.
(٣) رواه أبو داود في باب النكاح والترمذي كذلك وابن ماجة كذلك. وانظره في منتقى الأخبار : ٦ / ١٨٤. ورواية أبي داود : «فلا تلمني». وأخرجه الترمذي في السنن برقم ١١٤٠.
(٤) ٣ / النساء : ٤.
(٥) ١ / الأنعام : ٦.
(٦) وفي الأصل : قوله.
(٧) ١٠٠ / النحل : ١٦.
(٨) حديث قدسي رواه زيد بن خالد الجهنيّ. أخرجه مالك في الموطأ من باب الاستسقاء. متفق عليه.
(٩) ١٥ / الجن : ٧٢.