ك ل ف :
قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) أي لا يحمّلها من أمر دينها إلا ما هو في طوقها. وبه استدلّ من يرى تكليف ما لا يطاق. وقيل : لا يكلفها إلا ما قرّره على لسان نبيّه ممّا هو في قدرتها ؛ فكلّ ما قرّره الشارع فهو في وسعها وإن كان يشقّ عليها ، ألا ترى إلى قوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ)(٢). وقيل : ما تعدّونه من مشقّة فهو سعة في المآل كقوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)(٣)(فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)(٤).
وأصل التكليف من الكلف وهو الإيلاع بالشيء ، ومنه كلف فلان فأكلفته : جعلته كلفا به ، ومنه الكلف في الوجه لتصّور كلفة به.
وتكلّف الشيء : ما يفعله الإنسان مع إظهار كلف به مع مشقّة تناله في تعاطيه (٥). وقيل : الكلف : المشقّة ، وتحقيقه ما قدّمته ، فصار التكليف في العرف العامّ حمل المكلّف على ما فيه مشقّة ، والتكلف اسما لما يفعل بمشقّة أو تصنّع أو تتبّع. ومن ثمّ انقسم التكلّف (٦) إلى قسمين : الأول مذموم ، وهو ما يفعل المرء ويتحرّاه فاعله مرائيا. وإياه عنى عليه الصلاة والسّلام بقوله : «أنا وأمّتي برآء من التكلّف» (٧) وإليه أشار بقوله في حقّ نبيّه : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)(٨). والثاني ممدوح ، وهو ما يتحرّاه فاعله ليصير فعله سهلا عليه ويصير كلفا به ومحبا له. وبهذا النظر استعمل التكليف في تكلّف العبادات.
__________________
(١) ٢٨٦ / البقرة : ٢.
(٢) ٤٥ / البقرة : ٢.
(٣) ٢١٦ / البقرة : ٢.
(٤) ١٩ / النساء : ٤.
(٥) في الأصل : مع تعاطيه.
(٦) وفي الأصل : التكليف.
(٧) النهاية : ٤ / ١٩٦.
(٨) ٨٦ / ص : ٣٨.