احتياجا إليهم بدليل قوله : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)(١) وليس المعنى أنه خلقهم مريدا منهم ذلك إذ لو كان كذلك لم يتخلّف عن عبادته منهم أحد لئلا يلزم تخلف مراده. وأنت ترى أكثرهم غير عابديه : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)(٢). ويقال : طريق معبّد ، أي مذلّل بالوطء ؛ قال طرفة بن العبد (٣) : [من البسيط]
[تباري عتاقا ناجيات] وأتبعت |
|
[وظيفا] وظيفا فوق مور معبّد |
قوله : (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(٤) أي اتّخذتهم عبيدا وخولا. وقيل : ذلّلتهم ذلّة العبيد. وقيل : كلّفتهم الأعمال الشاقّة التي تكلّف مثلها العبدان. وأنشد (٥) : [من البسيط]
علام يعبدني قومي وقد كثرت |
|
فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان؟ |
يقال : أعبدته مثل عبدته.
ع ب ر :
قوله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ)(٦) أي اتّعظوا بهؤلاء فإنّ العاقل من اتّعظ بغيره ؛ ومن ثمّة قيل : ولا تجعلنا موعظة. ومن ثمّ قال تعالى : (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً)(٧) أي جعلنا تلك الأمّة موعظة يتّعظ بها المتقدّمون (٨) وهم من يسمع أن قوما سيأتون يفعلون كذا فيبتلون بكذا. والمتأخرون وهم من بلغهم خبرهم. والاعتبار : افتعال من العبور وهو المجاوزة ؛ يقال : عبرت النهر : قطعته وجزته من أحد جانبيه إلى الآخر. ومن ثمّ استدلّ (٩) بها مثبّتو القياس : فإنّ القياس عبور من أصل إلى فرع بعلّة جامعة.
__________________
(١) ٥٧ / الذاريات : ٥١.
(٢) ١٠٣ / يوسف : ١٢.
(٣) الديوان : ٢٧ ، والإضافة منه. الوظيف : ما بين الرسغ إلى الركبة. المور : الطريق.
(٤) ٢٢ / الشعراء : ٢٦.
(٥) البيت للفرزدق كما في اللسان ـ مادة عبد ، والتصويب منه. غير أنه غير مذكور في الديوان.
(٦) ٢ / الحشر : ٥٩.
(٧) ٦٦ / البقرة : ٢.
(٨) وفي س : المتقدمون المتأخرون.
(٩) في الأصل : استدلوا.