الثالث : ما يكون عبدا بخدمته وعبادته واشتغاله بمولاه. وإليه أشار بقوله : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ)(١)(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ)(٢)(فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا)(٣) وهذه هي إضافة التشريف. ومنه قول الشاعر : [من السريع]
لا تدعني إلا بيا عبدها |
|
فإنه أشرف أسمائي |
الرابع : ما هو عبد للدنيا وأعراضها الفانية ، وهو الحريص عليها المتهالك على حبّها كقوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ)(٤) وإياه قصد النبيّ صلىاللهعليهوسلم بقوله : «تعس عبد الدينار تعس عبد الخميصة» (٥). قال الراغب (٦) : وعلى هذا النوع يصحّ أن يقال : ليس كلّ إنسان عبدا لله تعالى ؛ فإنّ العبد على هذا المعنى العابد ، لكن العبد أبلغ من العابد. قلت : فيما قاله نظر من حيث الصناعة اللفظية ، والناس كلّهم عباد الله تعالى ، بل الأشياء كلّها كذلك ؛ بعضها بالتسخير فقط وبعضها به وبالاختيار.
والعبادة على نوعين : نوع بالتّسخير ، وهو الذي يكون عابدا بشهادة حاله وإن تأبّى في الصورة كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً)(٧). ونوع بالاختيار وهي العبادة التي أمر الله بها الخلق وكلّفهم بها في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)(٨).
قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(٩) أي ليوحّدون ، ولم أخلقهم
__________________
(١) ٤١ / ص : ٣٨.
(٢) ١ / الإسراء : ١٧.
(٣) ٦٥ / الكهف : ١٨.
(٤) ٩٦ / البقرة : ٢.
(٥) صحيح البخاري ، الجهاد : ٧٠.
(٦) المفردات : ٣١٩.
(٧) ١٥ / الرعد : ١٣.
(٨) ٢١ / البقرة : ٢.
(٩) ٥٦ / الذاريات : ٥١.