جهلا بقول الباري تعالى وإبراز طلبه الصدقة في صورة القرض لنكتة جهلوا معناها ، وهو أنّ المقترض يردّ ما أخذ فلا يأخذ شيئا لا سيما إذا كان أكرم الأكرمين. يقال : غني يغنى وتغنّى وتغانى. قوله : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ)(١) أي ما كفاه مؤونة ما يحذره. غني بكذا بمعنى ابتلي به. قال الشاعر (٢) : [من الطويل]
غنينا زمانا بالتّصعلك والغنى |
|
وكلّا سقاناه بكأسيهما الدّهر |
والغانية : المرأة ، وأصله من استغنت بزوجها. وقيل : إنما قيل لها غانية لاستغنائها بحسنها. قال الشاعر (٣) : [من الطويل]
فلا تحسبن هندا لها العذر وحدها |
|
سجية نفس كلّ غانية هند |
وقيل : سميت بذلك لاستغنائها بجمالها عن التزيّن حيث تتزين النساء. وقيل : لأنها تقيم بالبيت ، ولذلك قيل للنساء ربات الخدور لملازمتهنّ إياه. وفي الحديث : «خير الصدقة ما أبقت غنى» (٤) قال القتيبيّ : فيه قولان أحدهما : خير ما تصدقت به الفضل من قوت عيالك وكفايتهم ، فإذا خرجت منك إلى من أعطيته خرجت على استغناء منك ، ومنهم عنها. ومثله الحديث الآخر : «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» (٥). والثاني أنّ معناه خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيت عن المسألة ... (٦). وفي الحديث : «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» (٧) ، فيه تأويلات أحدها من لم يحسّن صوته به ، أي يقرؤه بحقوقه من تقويم لفظه ، وإكمال مخارج حروفه ، وعدم تمطيطها كما تفعله الجهلة من عوامّ الناس. ويحملون نفس هذا الحديث على ما يصنعونه من القراءة بالألحان وصناعات الأنغام ، ويزعمون أنّ هذا هو التغنّي المراد بالحديث ، حاشا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الأمر بذلك. وقيل : معنى «من لم يتغنّ»
__________________
(١) ٢٨ / الحاقة : ٦٩.
(٢) البيت لحاتم الطائي (الديوان : ٥١) غير أن العجز فيه لبيت بعده. ورواية الأصل مناسبة لما في اللسان ـ مادة غنا. بينما رواية الديوان : عنينا.
(٣) العجز مضطرب في ح وس. والتصويب من م.
(٤) النهاية : ٣ / ٣٩٠.
(٥) يذكر ابن الأثير أن هذا الحديث رواية أخرى للحديث السابق.
(٦) بياض في الأصل ، وكلمة غير واضحة في م. ولا نرى نقصا في المعنى.
(٧) النهاية : ٣ / ٣٩١.