الفقر. وهو مقصور ، وقد مدّه بعضهم ضرورة في قوله (١) : [من الوافر]
سيغنيني الذي أغناك عني |
|
فلا فقر يدوم ولا غناء |
والبصريون لا يجيزون نحوه. وأما الغناء ، وهو الصوت بالنّغم المعروف ، فممدود. وأما الغناء بالفتح والمدّ فمعناه الكفاية. ثم الغنى يكون على أضرب : أحدها ارتفاع الحاجات وامتناعها على ذلك المستغني ، وليس ذلك إلا لله تعالى دون خلقه. والثاني قلّة الحاجات ، وهذا موجود في الخلق. ومن الأول قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(٢) أي لا يستحقّ الغنى المطلق إلا من له الحمد. ومن الثاني قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى)(٣) وإليه أشار بقوله عليهالسلام : «إنما الغنى غنى النفس» (٤) لأنه قد قال قبله : «ليس الغنى بكثرة العرض» (٥). والثالث كثرة القنيّات وزيادة الأعراض الدّنيوية ، وهذا هو الذي يقع فيه كثير من الناس في ضروب من الفتن. وإليه أشار بقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى ، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى)(٦).
قوله : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ)(٧) أي ومن كان عنده مال يكتفي به عن أكل مال اليتيم فليطلب العفّة والقنع من نفسه عن مال اليتيم. قوله : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) أي من رآهم من الجهلة بأحوالهم يحسبهم أغنياء بكثرة القنيّات لما يظهرون من التعفّف عمّا في أيدي الناس والزهد فيه فيظنّون أغنياء. وهذا هو غنى النفس الذي أشار إليه سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قوله تعالى : لقد كفر (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ)(٨) يروى أنهم لما سمعوا قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً)(٩) قالوا ذلك
__________________
(١) من شواهد اللسان والتاج ـ مادة غنا. ويروى بالفتح والكسر ؛ فمن رواه بالكسر أراد مصدر غانيت ومن رواه بالفتح أراد الغنى نفسه.
(٢) ٢٦ / لقمان : ٣١.
(٣) ٨ / الضحى : ٩٣.
(٤) صحيح البخاري ، رقاق : ١٥.
(٥) تتمة الحديث السابق ، وفي البخاري : عن كثرة.
(٦) ٦ و ٧ / العلق : ٩٦.
(٧) ٦ / النساء : ٤.
(٨) ١٨١ / آل عمران : ٣.
(٩) ٢٤٥ / البقرة : ٢.