من لم يستغن كقوله : «من لم يغنه القرآن لا أغناه الله» وقد جاء يفعل بمعنى استفعل نحو تعجب واستعجب وتعظّم واستعظم. وهذا تأويل سفيان (١) ، وقد ردّه بعضهم بأنّ تمام الحديث يقتضي تحسين الصوت ، فلا ملاءمة بينه وبين الاستغناء. وقيل : معناه تحسين الصوت وتزيينه. وفي الحديث : «لحبّرته لك تحبيرا» (٢) أي حسّنته وزينته. ولا شك أن تحسين الصوت مطلوب ما لم يخرج عن حدّ الشّرع. وقيل : معناه جهر الصوت به. وكلّ من جهر صوته ووالى به فصوته عند العرب غناء ، قاله أبو عبيد الهرويّ. وقال الشافعيّ رضي الله عنه : معناه تحزين القراءة وترقيقها.
قلت : ويشهد له الحديث الآخر : «إنّ هذا القرآن نزل بحزن ، فإذا قرأتموه فتحازنوا» (٣). وفي حديث آخر : «زيّنوا القرآن بأصواتكم» (٤). ومثل الحديث الأول في هذا التأويل قوله عليهالسلام أيضا : «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبيّ يتغنّى بالقرآن» (٥) وقيل : معناه التطريب الذي لا يخرج القرآن عن نظمه ولا وضعه ، وقليل من يتقن ذلك. وفي حديث الجمعة : «من استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه» (٦) ، أي تركه وطرده ورمى به عن عينه ، لأنّ المستغني عن الشيء تارك له. فهو من باب المقابلة كقوله : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ)(٧).
__________________
(١) يقصد : «من لم يتغنّ بالقرآن فليس منا» (النهاية : ٣ / ٣٩١).
(٢) من حديث إبي موسى : «لو علمت أنك تسمع لقراءتي لحبرّتها ...» (النهاية : ١ / ٣١٧).
(٣) ابن ماجة ، الإقامة : ١٧٦.
(٤) صحيح البخاري ، التوحيد : ٥٢.
(٥) النهاية : ١ / ٣٣.
(٦) النهاية : ٣ / ٣٩١.
(٧) ٦٧ / التوبة : ٩.