وجعل بناؤه على هذه الصيغة لكونه كالآلة. فالعالم آلة في الدّلالة على صانعه. ولهذا أحالنا تعالى على ذلك في معرفة وحدانيته فقال : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١). وأمّا جمعه فلأنّ كلّ نوع من هذه قد يسمى عالما ؛ فيقال : عالم الإنسان ، وعالم الماء ، وعالم النار. وأيضا فقد روي «أنّ لله تعالى بضعة عشر عالما وألف عالم».
وأمّا جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم. والإنسان إذا شارك غيره في اللفظ غلب حكمه. وقيل ؛ إنّما جمع هذا الجمع لأنه عنى به أصناف الخلائق من الملائكة والجنّ والإنس دون غيرها ، وقد روي هذا عن ابن عباس. وقال جعفر بن محمد الصادق : عني به الناس ، وجعل لكلّ واحد منهم عالما. وقال : العالم عالمان : الكبير وهو الفلك بما فيه. والصغير (٢) وهو الإنسان لأنه مخلوق على هيئة العالم ؛ فقد أوجد الله تعالى فيه كلّ ما في العالم الكبير ، انتهى. وقال الهرويّ : العالمون المخاطبون هم الجنّ والإنس ، ولا واحد له من لفظه. والعالمون : أصناف الخلق كلّهم ، الواحد عالم. ويقال : دهر عالم. وأنشد لجرير بن الخطفى (٣) : [من الوافر]
تنصّفه البريّة وهو سام |
|
ويضحي العالمون له عيالا |
ثم إنّ المفسرين خصّوا كلّ موضع بما يليق به ممّا يطلق عليه أصناف العالم. فقالوا. في قوله تعالى : / (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ)(٤) أي عن أن تضيف أحدا. وفي قوله تعالى : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً)(٥) ؛ الجنّ والإنس لأنّه لم يكن نذيرا للبهائم. قوله : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ)(٦) أي مصاحبا لعلمه. والمعنى : أنزل القرآن الذي فيه علمه. قوله : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ)(٧) يعني علم المشاهدة الذي يوجب العقوبة ، وذلك أن علم الغيب لا يوجب
__________________
(١) ١٨٥ / الأعراف : ٧.
(٢) في الأصل : من الصغير.
(٣) الديوان : ٤١٣ ، وفيه : ويمسي العالمون.
(٤) ٧٠ / الحجر : ١٥.
(٥) ١ / الفرقان : ٢٥.
(٦) ١٦٦ / النساء : ٤.
(٧) ٢٥ / الحديد : ٥٧.