وإذا ثبت استحالة كون الفاعل / فاعلا (١) فى الشاهد (١). وليس بجسم ؛ فكذلك فى الغائب ، وهذا كما أنه لما استحال كون العالم عالما فى الشاهد بدون العلم ، وبدون الحياة ؛ وجب طرد ذلك فى الغائب.
وأيضا : فإنه قد ثبت (٢) أن الله ـ تعالى ـ عالم بالأجسام. ولا معنى لكونه عالما بها ، غير انطباع صورها فى نفسه. وانطباع المتجزئ فى غير المتجزئ محال.
وأيضا (٢) : قد ثبت اتصاف الرب ـ تعالى ـ بالعلم ، والقدرة ، وغير ذلك من الصفات ، ولا معنى لقيام الصفة بالموصوف إلا أنها موجودة فى الحيز تبعا لمحلها. وإلا فلا يكون قيام أحدهما بالآخر ، بأولى من العكس. وإذا كان البارى ـ تعالى ـ فى الجهة كان جسما.
وأيضا : فيدل على كونه جسما : ما ورد من الظواهر الدالة على كونه بوجه ، ويدين ، وعينين ، إلى غير ذلك من الصفات الخبرية ؛ وذلك دليل على كونه جسما.
ثم وإن سلمنا أنه ليس جسما على الحقيقة ؛ ولكن ما المانع من إطلاق اسم الجسم عليه؟ وإن لم يكن جسما فى الحقيقة. كما أطلق عليه أنه نفس ، وورد به القرآن بقوله ـ تعالى ـ (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) (٣). وليس بنفس حقيقة ؛ إذ النفس لا تخرج عن كونها جسما لطيفا ، أو جوهرا ، أو عرضا ، على اختلاف المذاهب.
والجواب :
أما الشبهة الأولى : فمندفعة ، فإن حاصلها يرجع إلى الوهم بإعطاء الغائب ، حكم الشاهد ، من غير جمع بجامع ، والحكم على غير المحسوس ، بمثل ما حكم به على المحسوس ؛ وهو كذب غير صادق كما سلف (٤). وذلك : كحكم الوهم (٥) على أن أبعاد العالم لا نهاية لها ، وأنه ما من نهاية ، إلا وبعدها نهاية أخرى ، إلى ما لا يتناهى.
وإن كان العقل قد دل على النهاية.
__________________
(١) فى ب (فى الشاهد فاعلا).
(٢) من أول (أن الله تعالى عالم بالأجسام ... إلى قوله : قد ثبت اتصاف الرب تعالى). الموجود بدله فى (ب) : (اتصافه)
(٣) سورة المائدة ٤ / ١١٦.
(٤) انظر ل ٤٠ / أ.
(٥) فى ب (الواحد).