الثالث : أن السيد إذا أمر عبده ـ وهو أهل للأمر ـ بالمسير إلى البصرة مثلا : وهو ببغداد أمرا جازما على الفور ، ثم انقضى من الزمان ما يمكن قطع مثل تلك المسافة ، والكون بالبصرة في مثله. وتوانى العبد فى امتثال / أمره من غير عذر ، ولم يزل فى مكانه ؛ فإنه يستحق اللوم والتوبيخ ، ولو لا اقتدار العبد على الكون بالبصرة حالة الأمر ـ مع بقائه فى مكانه ـ لما حسن اللوم ، والتوبيخ ، على ما لا قدرة للعبد عليه.
وإذا كان قيام القدرة به على الكون بالبصرة حالة كونه ببغداد ممكنا : فلنفرضه واقعا ؛ فإن الممكن لا يلزم من فرض وقوعه المحال ، وعند فرض وجود القدرة على الكون بالبصرة حالة كونه ببغداد ، فلا بد وأن تكون تلك القدرة متعلقة بمقدورها ، وإلا كان فيه قلب جنسها ، ووجود قدرة لا مقدور لها ؛ وهو ممتنع.
وإذا كانت متعلقة بمقدورها : فهى لا توقع مقدورها : وهو الكون فى البصرة إلا فى الحالة الثانية من وجود القدرة ، لا فيما بعد ذلك ؛ وذلك مستحيل فى الكون فى البصرة ، فلو استحال فرض بقائها ؛ لاستحال كونها متوقعة لمقدورها ، فلا تكون متعلقة به ، وهو محال ، وما لزم عنه المحال ؛ فهو محال.
والجواب :
أما منع استحالة بقاء الأعراض : فسيأتى وجه إبطاله ، وإبطال ما يقال عليه في موضعه إن شاء الله ـ تعالى ـ على وجه يدخل فيه القدرة الحادثة وغيرها (١).
والقول بإمكان قيام القدرة على الكون بالبصرة ، حالة كونه ببغداد ممكن ، ممنوع.
وأما الوجه الأول :
فيلزم عليه نفس الكون بالبصرة حالة كونه ببغداد ؛ فإنه قابل له بنفسه. ونفسه غير متغيرة بكونه فى بغداد ، ومع ذلك فكونه فى البصرة غير ممكن أن يقوم به حالة كونه فى بغداد ، ولا فرق فى ذلك بين الكون فى البصرة ، والقدرة عليه.
وإن قيل : بأن الكون ببغداد مضاد للكون بالبصرة ؛ فكذلك امتنع قيام الكون بالبصرة به حالة كونه ببغداد ، فما المانع من أن يقال بأن القدرة على الكون فى بغداد؟ أو أن نفس الكون فى بغداد ضد للقدرة على الكون فى (٢) البصرة (٢)؟.
__________________
(١) انظر الجزء الثانى ل ٤٤ / ب وما بعدها.
(٢) فى ب (بالبصرة).