«المسألة الرابعة»
فى الآلام وأحكامها
مذهب أهل الحق (١) : أن الآلام مقدورة لله ـ تعالى ـ ، وإذا فعلها فهى حسنة ، وسواء كانت مبتدأ بها ، أو بطريق المجازاة ، وسواء تعقبها عوض أو لا. وأن العوض عليه غير واجب على ما سبق ؛ بل إن كان فلا يكون منه إلا بطريق التفضل ، والإنعام ؛ وهو (٢) جائز عقلا فى الدنيا ، والأخرى. وأما الواقع فمستند إلى السمع ؛ فما ورد به كان ، وإلا فلا.
وأما الآلام الصادرة من المخلوقين بعضهم فى حق بعض : فإن كان من صدر عنه الإيلام مكلفا : فمنه ما هو جائز ، ومنه ما هو حرام على حسب ورود الشرع بذلك.
وإن كان من صدر عنه الإيلام غير مكلف ؛ فلا تبعة عليه فى الدنيا والأخرى عقلا ، إلا ما ورد الشرع به بطريق التأديب ، والزجر ، والمتبع فى التعويض على / ذلك من الله ـ تعالى ـ فى الدنيا ، أو الأخرى إنما هو السمع.
وأما المعتزلة (٣) فإنهم قالوا : الإيلام إما أن يكون من الله ـ تعالى أو من المخلوقين.
فإن كان من الله ـ تعالى ـ فقالوا : إنما يحسن بأن يكون مستحقا على جريمة سابقة ، أو لجلب نفع ، أو دفع ضرر ، أو بأن يعوض عنه فى الدار الآخرة بما يزيد على مقدار الألم.
ثم اختلفوا فى الأعواض الواجبة على الله ـ تعالى ـ :
__________________
(١) لتوضيح مذهب أهل الحق فى هذه المسألة :
انظر اللمع للأشعرى ص ١١٦ ، ١١٧ والإبانة له أيضا ص ٥٣.
والإرشاد للجويني ص ٢٧٣ ـ ٢٨٦ والاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى ص ٨٣ ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤١٠ ـ ٤١١.
ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص ٢٢٤ ـ ٢٤٥.
ومن كتب المتأخرين : شرح المواقف ٢ / ٣٩٩ ، ٤٠٠ وشرح المقاصد ٢ / ١٢١ ، ١٢٢.
(٢) فى ب (وهو غير).
(٣) عن رأى المعتزلة فى الآلام وأحكامها ، وأحكام العوض وما يتصل به ، والمستحق للعوض والمستحق عليه ، انظر الأصول الخمسة ص ٤٨٣ ـ ٥٠٩.
والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل ١٣ / ٢٧ ـ ٧٤ والمحيط بالتكليف ص ٢٢٨ ـ ٢٣٩.