«الفرع الثانى»
فى الرد على الفلاسفة الإلهيين
والّذي عليه اعتماد الحذاق من الفلاسفة الإلهيين (١) أن البارى ـ تعالى ـ واحد من كل جهة ، وأنه ليس له صفة وجودية ، لا داخلة فى ذاته ، ولا خارجة عارضة لذاته ، كما أسلفناه (٢) من إيضاح مذهبهم ، وحكاية شبههم على ذلك فى إثبات الصفات.
ثم إنهم بنوا على ذلك أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد. محتجين على ذلك بأمرين.
الأول : أنه لو صدر عنه اثنان : لم يخل : إما أن يتفقا من كل وجه ، أو يختلفا من كل وجه ، أو يتفقا من وجه ، ويختلفا من وجه.
فإن كان الأول : فلا تعدد ؛ لأن التعدد مع عدم التمايز محال.
وإن كان الثانى ، أو الثالث : فهما فى الجملة مختلفان.
وعند ذلك : فإما أن يكون صدور كل واحد منهما عنه من الجهة التى كان صدور الآخر عنه بها ، أو من جهة أخرى.
لا جائز أن يقال بالأول : لأن العلة لا بد وأن يكون بينها ، وبين المعلول ملاءمة مناسبة يتهيأ بها وجود المعلول ، وإلا لما كان صدور ذلك المعلول عنها أولى من صدور غيره ، ولا أولى من صدوره عن غيرها ؛ بل كان كل موجود صالحا لأن يكون علة لأى وجود كان ؛ وهو محال. وما ناسب به أحد المعلولين / المختلفين لا يمكن أن يناسب به المخالف الآخر ، ولهذا فإنا نستدل باختلاف الآثار من الحرارة والبرودة ، فى الجسم الواحد ، على اختلاف المؤثرات فيه ، ويلزم من ذلك أن الواحد إذا كان علة الأمرين مختلفين ؛ أن يكون علة لهما بجهتين مختلفتين ؛ وهو القسم الثانى.
__________________
(١) لتوضيح رأى الفلاسفة فى هذه المسألة : انظر من كتبهم : النجاة لابن سينا ص ٢٤٩ ـ ٢٨٤ ، وتسع رسائل فى الحكمة له ص ١٠٨ ـ ١١٤ ، والإشارات والتنبيهات له أيضا ٣ / ١١٩ ـ ١٩٢.
(٢) فى ب (كما سبق). انظر ل ٥٤ / أوما بعدها.