ثم وإن سلمنا كونه مقدورا للرب ـ تعالى ـ قبل إقدار العبد مطلقا لا بشرط : فما المانع من أن يكون إقدار العبد مانعا من دوام اقتدار الرب ـ تعالى.
قولهم : ليس جعل الحادث مانعا من استمرار ما كان ، أولى من العكس.
قلنا : فتحتاجون إذن إلى (١) الترجيح (١) ؛ لأنكم فى مقام الاستدلال.
وما ذكروه من الترجيح ؛ فغير موجب لليقين. كيف : وهو مقابل بمثله ، فإن الشيء فى ابتداء وجوده لقربه من سببه يكون أقوى منه فى حالة (٢) دوامه ، لبعده من سببه كما تقدم.
ثم وإن سلمنا كونه مقدورا للرب مع كونه مقدورا للعبد : ولكن ليس نسبته إلى الله ـ تعالى ـ بالإيجاد ؛ لكونه مقدورا له : أولى من نسبته إلى العبد ؛ لكونه مقدورا له. والرب ـ تعالى ـ وإن كان أقدر من العبد ؛ فليس إلا بمعنى أن مقدوراته أكثر ، وأعظم ؛ وليس فى ذلك ما يوجب الترجيح بالنظر إلى مقدور واحد.
ولا سبيل إلى القول بكونه مخلوقا لهما ؛ لأنه محال على (٣) ما (٣) تقدم ؛ ولأنه على خلاف الإجماع.
المسلك الثالث :
أن الرب ـ تعالى ـ قادر على مثل جميع الأجناس التى هى مقدورة للعبد.
وعند ذلك : فيجب أن يكون قادرا على مقدور العبد ؛ فإنه لو لم يقدر عليه. لم يكن قادرا على مثله ؛ وهو خلف.
وإذا ثبت أنه قادر على أفعال العباد. فإذا حدثت : وجب أن تكون مخلوقة له ؛ لما تقدم فى المسلك الّذي قبله.
وهو أيضا / غير سديد ؛ إذ لقائل أن يقول :
لا نسلم أن الرب ـ تعالى ـ قادر على مثل مقدور العبد : على ما هو مذهب البلخى.
__________________
(١) فى ب (للترجيح).
(٢) فى ب (حال).
(٣) فى ب (كما).