ولقائل أن يقول :
لا نسلم تساوى الكيفيات فى الكمال ، والنقصان بالنسبة إلى ذات الله ـ تعالى ـ ليلزم من ذلك التساوى فى جواز تقدير اتصاف الرب ـ بكل واحدة منها ؛ بل لا مانع من أن يكون بعضها صفة كمال دون البعض.
ولهذا قالت الفلاسفة : إن الحرارة [واليبوسة (١) صفتا] كمال للنار دون غيرها من الكيفيات. وفى (مقابلتهما) (٢) البرودة ، والرطوبة للماء. وأن الحرارة والرطوبة من كمالات الهواء دون غيره. وفى مقابلة ذلك البرودة ، واليبوسة للتراب.
سلمنا عدم اختصاص البعض منها بصفة الكمال ، وأنها متساوية فيما يرجع إلى عدم الكمال ، والنقصان ؛ ولكن ما المانع من اختلافها أن تكون ذات البارى (٣) مقتضية للاتصاف بها ، وإن لم تكن صفة كمال ، ولا نقصان؟
فلئن قالوا : لأن الأمة مجمعة على امتناع اتصاف الرب ـ تعالى ـ بغير صفات الكمال ، كما ذهب إليه القاضى أبو بكر ، فهو رجوع إلى السمع ، وترك لدلالة العقل (٤).
المسلك الثانى :
أنهم قالوا : لو اتصف الرب ـ تعالى ـ بشيء من هذه الكيفيات فإما أن تكون حادثة ، أو قديمة.
لا جائز أن تكون حادثة : لما سبق (٥).
وإن كانت قديمة : فما من كيفية من هذه الكيفيات إلا ولها مثل حادث ، وعند التماثل فيمتنع اختصاص إحدى الصفتين بالعدم ، والأخرى / بالحدوث ، لأن القديمة : إما أن تقتضى العدم لذاتها ، أو لمخصص من خارج.
__________________
(١) فى ب (والبرودة صفتا). وفى أ (واليبوسة صفة).
(٢) فى أ (مقابلته).
(٣) فى ب (الرب تعالى).
(٤) فى ب (العقل عليه).
(٥) انظر ١٤٦ / أوما بعدها.