أما المقدمة : ففى بيان معنى الخلق ، والمخلوق.
أما الخلق : فقد يطلق فى اللغة ويراد به إيجاد الشيء ، واختراعه لا من شيء.
وقد يراد به الهم بالشيء ، والعزم على فعله. ومنه قول الشاعر.
فلأنت تفرى ما خلقت |
|
وبعض القوم يخلق ثمّ لا يفرى (١) |
والمراد من قوله : فلأنت تفرى : أى تمضى ، ما خلقت : أى هممت به.
ومنه قول الحجاج : إذا هممت أمضيت ، وإذا خلقت فريت.
وقد يراد به التقدير بمعنى الظن ، والحسبان ، ومنه يقال : خلقت زيدا فى الدار : أى قدرته فيها ، ومعنى قدرته : ظننته.
وقد يراد به التقدير بمعنى المساواة بين شيئين. ومنه يقال للحذّائين الذين يقدرون بعض طاقات النعل ببعض ، ويسدون بينها خالقين. ومنه يقال : خلقت الأديم : أى قدرته. وفى معنى هذا إطلاق الخلق على إيجاد شيء على مقدار شيء آخر سبق له الوجود.
وقد يطلق الخلق : بمعنى الكذب ، والافتراء ، وإليه الإشارة بقوله ـ تعالى ـ (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) (٢) : أى أكاذيب الأولين. ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (٣) : أى تكذبون.
وعلى هذا : فإضافة الخلق إلى الله ـ تعالى ـ بمعنى الاختراع والإيجاد ، وبمعنى القصد إلى الشيء ، وبمعنى التسوية صحيح ، دون الخلق بمعنى الظن والكذب ، ويكون مشاركا للعباد فى الاتصاف بالخلق بمعنى القصد إلى الشيء. وبمعنى التقدير والتسوية دون الخلق بمعنى الإيجاد ، والاختراع ؛ إذ هو المنفرد به دون غيره كما يأتى (٤).
__________________
(١) القائل : زهير بن أبى سلمى (ديوان زهير ص ٩٤) والبيت من قصيدة قالها فى مدح هرم بن سنان. وأول البيت (ولأنت) وليس كما جاء هنا (فلأنت).
(٢) سورة الشعراء ٢٦ / ١٣٧.
(٣) سورة العنكبوت ٢٩ / ١٧.
(٤) انظر ل ٢٢٨ / ب وما بعدها.