الأول : أنه يكون مفتقرا إلى كل واحد من تلك الأجزاء ضرورة استحالة وجود المركب دون أجزائه ، وكل واحد منها غير مفتقر إليه. وما افتقر إلى غيره كان ممكنا ، لا واجبا لذاته. وقد قيل : إنه واجب لذاته.
الثانى (١) : أن تلك الأجزاء : إما أن تكون واجبة الوجود لذاتها ، أو ممكنة ، أو البعض واجبا ، والبعض ممكنا. لا جائز أن يقال بالأول : على ما سيأتى (٢) تحقيقه فى إثبات الوحدانية.
وإن كان الثانى ، أو الثالث : فلا يخفى أن المفتقر إلى الممكن المحتاج إلى الغير أولى بالإمكان والاحتياج. والممكن المحتاج لا يكون واجبا لذاته ، وما لا يكون واجبا لذاته ؛ لا يكون إلها (٣). هذا كله إن قيل إنه جسم كالأجسام.
وإن قيل : إنه جسم لا كالأجسام. كان النزاع فى اللفظ ، دون المعنى. والطريق فى الرد ، ما أسلفناه فى كونه جوهرا (٤).
فإن [قيل] (٥) : ما نشاهده من الموجودات ، ليس الا أجساما وأعراضا. وإثبات قسم ثالث مما لا نعقله.
وإذا كانت الموجودات منحصرة فى الأجسام ، والأعراض ؛ فالبارى ـ تعالى ـ ليس بعرض ؛ لأن العرض مفتقر إلى الجسم ، والبارى ـ تعالى ـ لا يفتقر إلى شيء ، وإلا كان ما يفتقر إليه أشرف منه ؛ وهو محال. وإذا لم يكن عرضا : تعين أن يكون جسما.
وأيضا : فإنه قد ثبت أن الرب ـ تعالى ـ فاعل على الحقيقة ، ولم نشاهد فاعلا على الحقيقة إلا جسما. حتى أنه لو أخبر مخبر أنه رأى فاعلا على الحقيقة ليس بجسم ؛ لكان ذلك منه مستنكرا : كاستنكاره أنه شاهد اجتماع السواد ، والبياض.
__________________
(١) نقل ابن تيمية كلام الآمدي عن إبطال التركيب من أول قوله : «الثانى : أن تلك الأجزاء إلى قوله : لا يكون إلها» فى كتابه (درء التعارض ٤ / ٢٤٥) ثم علق عليه وناقشه فى ٢٤٦ وما بعدها.
(٢) انظر ل ١٦٦ / ب وما بعدها.
(٣) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية عن الآمدي.
(٤) انظر ل ١٤٣ / أوما بعدها.
(٥) ساقط من أ.