«الفصل الأول»
فى تحقيق معنى الواحد (١) ، وأقسامه ، ولواحقه ، وما هو التوحيد؟
أما حقيقة الواحد :
فقد قال بعض أئمتنا : إنه الشيء الّذي لا يصح انقسامه.
وفيه نظر ؛ فإن الواحد قد يطلق على ما هو قابل للقسمة باعتبار اختصاصه بصفات لا يشاركه فيها أحد : ومنه يقال : فلان واحد فى عصره : أى لا نظير له ، ولا شبيه له فى صفاته.
وكذلك قد يطلق على آحاد الناس ، أو الموجودات : أنه واحد ، وإن كان صالحا للانقسام.
وقد يطلق على مبدأ الكثرة.
فإن أريد بالحد المذكور تحديد الواحد بالاعتبار الأول : فلا يخفى بطلانه.
وإن أريد به تحديد الواحد بالاعتبار الثانى : فهو باطل أيضا ؛ فإنه لا معنى لقول القائل لا يصح انقسامه ، إلا أنه لا تلحقه الكثرة ؛ فتكون الكثرة مأخوذة فى تعريف (٢) الواحد. والكثرة [متوقفة] (٣) فى معرفتها على معرفة الواحد ؛ لكونه مبدأ لها ، وأى حد قيل فى الكثرة كان الواحد مأخوذا فيه. وذلك كما يقال : الكثرة ما تعد بالواحد ، وأنها المجتمعة من الآحاد وغير ذلك ؛ فيكون دورا.
وفى معنى هذه العبارة قول بعض الأصحاب : الواحد هو الّذي لا يصح تقدير رفع شيء منه مع إبقاء شيء منه ، أو الّذي لا يقال فيه شيء وشيء ، إلا على طريق التكرار.
والأقرب : أن معرفتنا للواحد الّذي هو مبدأ الكثرة ؛ غير نظرية. وأن كل ما يقال فيه إنما هو على سبيل التذكير ، والتنبيه ، لا على سبيل التحديد المشروط فيما سلف.
__________________
(١) فى ب (الوحدة).
(٢) فى ب (حد).
(٣) فى أ (فمتوقفة).