ثم وإن سلم : أنه يلزم من امتناع تولد حركة غصون الأشجار من اعتماد الرياح العواصف عليها ؛ امتناع تولد اندفاع الجسم من اعتماد الواحد منا عليه ؛ فليس فى ذلك ما يدل على إبطال التولد مطلقا. ولا يلزم من إبطال تولد ما هو خارج عن محل قدرة العبد من الفعل القائم بمحل قدرته ؛ إبطال تولد ما هو قائم بمحل قدرته عما هو مباشر بقدرته : كما هو مذهب ضرار بن عمرو ، وحفص الفرد.
وعند ذلك : فالواجب أن يذكر ما فى هذين المسلكين على سبيل الإلزام ، والتشكيك للخصم عند ذكر شبهه : أما على طريق الاستدلال ؛ فلا.
المسلك الثالث :
أنه يلزم من القول بالتولد ؛ وجود مخلوق بين خالقين ، واللازم ممتنع ؛ لما تقدم (١).
وبيان الملازمة : أنه لو التصق جوهر يكفى شخصين ، ودفعه أحدهما إلى جهة الآخر حالة جذب الآخر إلى جهته ؛ فحركته واحدة لا محالة.
وهى : إما أن تكون متولدة من اعتماد أحدهما دون الآخر ، أو من اعتماديهما.
فإن كان الأول : فهو ممتنع ؛ لعدم الأولوية.
وإن كان الثانى : لزم منه مخلوق بين خالقين ؛ وهو محال. وما لزم عنه المحال ؛ فهو محال.
وهذا المسلك : وإن كان حجة فى امتناع تولد بعض ما هو خارج عن محل قدرة العبد عن الفعل المباشر بقدرة العبد ؛ فليس حجة على ضرار بن عمرو ، وحفص الفرد ـ القائلين بتولد ما قام بمحل القدرة دون غيره كما سبق.
وعند هذا : فالواجب أن يكتفى فى إبطال التولد على العموم بما أسلفناه من الدليل فى امتناع موجد غير الله ـ تعالى ـ وأن كل موجد ممكن ؛ فوجوده ليس إلا بالله ـ تعالى.
__________________
(١) انظر ل ٢١٧ / ب وما بعدها.