اى ما ينبغي ان يوصف الكامل به (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على استنطاق الأشياء بالتّسبيح وهذه تعداد الأوصاف الجميلة واشارة الى علّة تسبيح الأشياء له ، ولكونها تعدادا لاوصافه الحميدة قال (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) بدون العاطف والمعنى فمنكم مؤمن بالولاية ، ومنكم كافر بالولاية كما مرّ مرارا انّ مناط الكفر والايمان معرفة الولاية وإنكارها ، وعن الصّادق (ع) انّه سئل عن هذه الآية فقال : عرّف الله ايمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم (ع) وهم ذرّ (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تهديد للكافر وترغيب للمؤمن (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) فلم يكن أسباب السّماوات والأرض الّتى بها ايجادكم وابقاؤكم الّا لأمر حقّ وغاية شريفة متقنة لا لهذه الغايات الدّنيّة الباطلة الّتى هي وصول القوى الشّهويّة والغضبيّة والشّيطانيّة الى مستلذّاتها فلا تقطعوا غاياتكم الشّريفة ولا تبطلوا ذواتكم (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) لتكونوا مقرّبين له فانّه خلقكم وصوّركم مشتملين على جميع ما في عالم الأمر والخلق بل على جميع ما في العالم الإلهيّ لتصيروا بطرح الطّوارى عن وجوه ذواتكم بشأنه تعالى وتصيروا احقّاء بقربه فلا تبطلوا ذواتكم دون الوصول الى غاياتكم (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) اى مصيركم ترغيب وتهديد يعنى استعدّوا للحضور عنده وتهيّؤا للوصول اليه بأحسن الوجوه (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) تهديد وترغيب (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) قد مضى أمثال هذه الآية مع تفسيرها مكرّرا (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) ايّها النّاس (نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) فتعتبروا بأحوالهم وترتدعوا عن مثل أفعالهم (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) في الدّنيا فاحذروا عن مثل أفعالهم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) كما جاءكم رسولكم بالبيّنات (فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) مثل ما تقولون لو شاء الله ان يرسل رسولا لأنزل ملائكة (فَكَفَرُوا) بالرّسل مثلكم (وَتَوَلَّوْا) عنهم وعن بيّناتهم وعن التّدبّر فيها (وَاسْتَغْنَى اللهُ) عنهم يعنى استغنى الله في مظاهر رسلهم (ع) بمعنى استغنى الرّسل عنهم وعن الاعتداد بهم فلم يكن من قبلهم استعداد لقبول الايمان ولم يكن من قبل الرّسل دعوة لهم (وَاللهُ غَنِيٌ) عنهم وعن عبادتهم وعن ايمانهم (حَمِيدٌ) في نفسه عرف أم لم يعرف ، حمد أم لم يحمد (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ فَآمِنُوا) يعنى إذا كنتم تبعثون فآمنوا (بِاللهِ) الّذى تبعثون اليه (وَرَسُولِهِ) الّذى يعلّمكم طريق الايمان به (وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) والنّور المنزل هو ولاية علىّ (ع) الّتى كانت مع كلّ بنىّ سرّا ومع محمّد (ص) سرّا وجهرا ، وقد فسّر في الاخبار بالامامة وبالإمام ، وسئل الباقر (ع) عن هذه الآية فقال : النّور والله الائمّة (ع) ، لنور الامام في قلوب المؤمنين أنور من الشّمس المضيئة بالنّهار ، وهم الّذين ينوّرون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمّن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشيهم بها.
اعلم ، انّ النّور هو الّذى ظهر بذاته وأظهر غيره وهذا حقّ الوجود فانّه الظّاهر بذاته بحيث انّه أقدم البديهيّات واوّل المدركات ، وبعد تعيين المفهوم هو اوّل المسؤلات ، فانّ السّؤال بما الشّارحة الّذى هو سؤال عن مفهوم اللّفظ مقدّم على السّؤال بهل البسيطة ، وبعد تعيين مفهوم اللّفظ لا يسأل الّا بهل البسيطة وبعد السّؤال بهل البسيطة يكون سائر السّؤالات ، ومعنى كونه مظهرا للأشياء انّه لا ظهور لشيء من الأشياء على مدرك من المدارك الّا بالوجود ،